مجموعة العراق للاعلام IQGM : أغلقت الباب وراءها بهدوء شديد، وتقدمت بخطوات مرتبكة من الطاولة الخشبية،
سقط نظرها قبل أن تستمع لطلبه على قطعة بنية اللون مستطيلة الشكل كتب
عليها "المدير العام"..تحدث صوت أجش بالقرب من حوض سمك كبير في ركن الغرفة الفخمة " اجلسي سآتي حالا "...
اصدر الكرسي الجلد صريرا فزعت له "علياء"... رمى الرجل قرب الحوض شبكة
بيضاء صغيرة كان يحتجز في داخلها سمكة سوداء شرسة قتلت بعض المواليد
الجديدة، فحاول أن يعزلها لاستمرار الحياة في ذلك المجتمع المائي...أشار
بإصبعه إلى المربع الزجاجي المملوء بالماء "الكل يسعى للبقاء والانتصار...وأنا احدد من الفائز"...
حينها كانت نظراتها لا تزال بين أقدامها التي تتحرك وكأنها تعمل على ماكنة
خياطة والارتباك مفضوح ولا سبيل لإخفائه، أضاف المدير وهو يشعل سيجارة
اندفع دخانها إلى انف "علياء":
لن أطيل عليك...سوف انقل حياتك إلى الجهة الأخرى لو وافقتي على طلبي بزواج المتعة!!
على ماذا استند طلبه؟
يذكر البعض من مؤيدي فكرة "زواج المتعة"
بأنها ممارسة كانت موجودة منذ زمن الإسلام الأول، وتقوم الفكرة على أنه
بدلا من وجود علاقة غرامية بين الرجل والمرأة عن طريق الزواج الدائمي
"الطويل"، يستعاض عنه باتصال جنسي من دون إجراءات قانونية - لمدة بضعة
أشهر، أو حتى ساعات - وبالتالي فإن العلاقة ستكون مشروعة لأنها تنطوي على
شروط، كما يقول المدافعون.
في العراق حظرت هذه الممارسة في عهد صدام حسين لكن ازدهرت بعد عام 2003، وعادة ما تسقط في شبكة "زواج المتعة" النساء الفقيرات والأرامل والمراهقات، ويرمي معارضو الفكرة اللائمة على بعض رجال الدين ممن يروجون للفكرة.
محفزات للقبول...!
"علياء" في منتصف
الثلاثينيات موظفة في وزارة مهمة، لم تكن ترغب في العمل لولا أنها وجدت
نفسها بين ليلة وضحاها مسؤولة عن ثلاثة أطفال...كانت في يوم خطبتها قد عقدت
العزم على أن تأخذ دروس تقوية في المطبخ، لم تكن الأم تسمح لها قبل ذلك
بالطبخ لأنها كانت "مدللة" المنزل، ووالدتها تحب أن تكون سيدة البيت في كل
الأشياء. خطيب "علياء" كان يعمل في مصنع البلاستك لكنه توقف بعد عام 2003،
بسبب سيادة المستورد وضعف البنى التحتية، وتحول كما كل شيء في البلاد إلى
نشاط آخر، فلم يجد أمامه غير العمل في حماية المؤسسات الحكومية التي سقط
على بوابتها قتيلا في انفجار سيارة مفخخة استهدفت الوزارة.
جاءت صورة زوجها الذي شوّه جسده بفعل الاحتراق في تلك اللحظة والمدير يعرض عليها "الفرصة الذهبية"
كما يصفها...الأطفال الثلاثة وظلم المجتمع لها ومعارضة الأب والأم لخروجها
ودخولها باعتبارها أرملة كلها كانت حاضرة أمامها ومسؤولها يسرد لها
الامتيازات التي ستحصل عليها... أطلت برأسها على نافذة خلف مكتب المدير وهي
تشاهد السيارات الفارهة التي تقف في مرائب الوزارة وهي تتذكر كلام
زميلاتها المتوسطة العمر عن "انتهاز الفرص"...و"الفرصة لا تأتي للإنسان غير مرة واحدة"، ولكن هل زواج المتعة واحدا من تلك الفرص؟!
النثريات المبالغ بها التي تحصل عليها الوزارات والدوائر الحكومية، كما جاء
في كلام الكثير من النواب البرلمان يذهب بعضها هدايا تصل لشراء سيارات
لموظفات جميلات ومقربات من المسؤول. ترى (ل.س) موظفة أخرى في مؤسسة حكومية
أن بعض زميلاتها يقمن علاقات مؤقتة مع المسؤول للحصول على إجازة أو لشمولهن
في علاوة وترقية، وتضيف "الايفادات والامتيازات تذهب حصرا لتلك الموظفة التي تربطها بالمدير علاقة عن طريق زواج المتعة".
تكنوقراط ورجال دين!
استغلال حاجة المرأة لا يرتبط بـ "التقنوقراط" فقط، بل يتعداه إلى رجال
دين..أم لخمسة أطفال، لا تريد الكشف عن اسمها، تقول إن زوجها هجرها عندما
اكتشفت انه لا يستطيع إعالة الأسرة ففضّل الهروب! المرأة تسكن في منطقة
شعبية، ووعدها احد رجال الدين في المنطقة التي تعيش فيها - في حينها -
بتقديم المساعدة، ولكنه جاءها في احد الأيام وهو يحمل هدايا وأغلق الباب
وراءه ومارسا الجنس بدعوة "زواج المتعة".
امرأة أخرى (م. ر)، تقول إنها اقتربت من احد رجل الدين وطلبت المساعدة منه،
زوجها كان قد تركها بعد حرب الخليج، وكان والدها مريضا بالسل، ووالدتها
مشلولة... رجل الدين قال لها ارفعي الحجاب عن وجهكِ... هل تقبلين زواج
المتعة مني؟
قلت:
"لا"، وأضافت " عندما تبين له أنني رفضت الزواج منه، طلب مني العودة إلى
دياري وهو سيقوم بإرسال المساعدة بعد ذلك...لكن مرت فترة طويلة ولم يرسل
شيئا"!
تشير
(ن. ك) وهي تدير منظمة مجتمع مدني تعنى بحقوق المرأة في مدينة النجف أن
بعض المكاتب الدينية التي تقوم على مساعدة النساء الفقيرات قد يستغل المرأة
إذا كانت جميلة، مما يجعلها مرشحة جيدة لزواج المتعة.
والناشطة تجد اعتراضا من أخيها الذي يرفض ذهابها الى بعض المكاتب الدينية لتقصي الحقائق خشية أن تتعرض لخدعة من قبل احدهم، وتضيف: زواج
المتعة هو موضوع حساس في المدينة المقدسة، ولكنها تقول إن الإساءة لهذه
الممارسة شائعة، مؤكدة أنها سوف تستضيف حلقات دراسية حول زواج المتعة
لإقناعهم بأنها ممارسة غير مقبولة.
زوجات في حقائب السفر!
بينما
(ع. ش) رجل دين يعمل في عقد الزيجات في منطقة الكاظمية وهو من المؤيدين
لفكرة زواج المتعة، يقول انه متزوج مؤقتا على الأقل من خمسة نساء، لأنه
كثير السفر، وفي كل محطة لديه زوجة! في كل مرة، كما يقول، انه يدفع لهم
مبالغ شبيهة بالنفقة، وذكر انه متأكد من أنهن يستخدمن وسائل منع الحمل.
وعادة ما يحتفظ رجل الدين هذا بالزواج لمدة شهر فقط، وقال انه لا يفعل أي
شيء لتلطيخ سمعة النساء. كما يعتقد بوجود لبس بين الطريق الصحيح والخطأ
الذي ينبغي أن تقوم عليه زيجات المتعة، وهو يصر على أن تعاطي زواج المتعة
لا يزال نادرا في العراق، لكنه يقول إنه لا يمانع لابنته أو لأخته الدخول
في زواج المتعة، إذا كان الرجل تقيا وملتزما دينيا.
المدافعون عن زواج المتعة
يؤكدون أن هذه الممارسة بدأت قبل 1400 سنة باعتبارها وسيلة للحفاظ على
الأرامل قيد الحياة. المتعة تنطوي على اتفاق مكتوب أو غير مكتوب، لمدة تعين
بشكل واضح، ودفع مبلغ من المال للمرأة من قبل الرجل، ويمكن للشخص أن يتزوج
بشكل مؤقت حتى لو كانت لديه بالفعل زوجة بعقد طويل الأجل. وفي الزواج
المؤقت يتلقى الرجل زوجته وفقا لرغباته (أين ومتى يريد)! وعلى العموم أن زواج المتعة لا يتم من دون موافقتها.
يؤكد (ف. م) وهو شيخ يملك دفترا للزواج الدائمي بأنه لا يعقد الزيجات المؤقتة ولكنه يقول "في
زواج المتعة، يحق للمرأة أن تحصل على أموال طوال مدة الزواج، ولا يمكن
للمرأة إنهاء الزواج المؤقت، قبل انتهاء صلاحيته المتفق عليها سلفا أو ما
لم يوافق الرجل". بعد أن ينتهي الزواج المؤقت الأول يجب أن تنتظر المرأة ما لا يقل عن (دورتين شهريتين) قبل أن تكون لها علاقة أخرى، كي تتمكن من تحديد الأبوة بصورة سهلة في حال أصبحت حاملا.
فيما يقول صاحب مكتب الزواج الذي يجاوره انه يشجع على الزواج الدائم ولكنه يعطي الموافقة لزواج المتعة عندما تكون هناك "أسباب خاصة".
رجل الدين يذكر بأنه منح تراخيص للمتعة في الحالات التي يكون فيها نساء
أرامل والمطلقات أو للمرأة الباكر التي لديها موافقة من أبيها.
المؤيدون للفكرة ينتقدون منع صدام للزواج المؤقت خلال حكمه، ويقول احد الشباب " لم تكن هناك حرية دينية في العراق، وهذا الزواج المؤقت هو مثال على حقنا في اختيار طريقنا في الإسلام".
الجهات التي تبيح زواج المتعة تدعي أنها تحافظ على الشابات من ممارسة
الجنس خارج إطار الزواج، ويمنع النساء الأرامل أو المطلقات من الحاجة إلى
اللجوء إلى ممارسة الدعارة - وفقا لأنصار زواج المتعة-
ويضيف الشاب الجامعي (ح. ك) هذه الزيجات المؤقتة ليست بعيدة كل البعد عن
الزواج التقليدي بالنظر إلى أن يتم دفع مهر من نوع ما، وتتم تغطية احتياجات
المرأة المالية".
الزيجات المؤقتة: ماذا يقول المنتقدون؟
المعارضون لفكرة "المتعة" يدعون أنها لا تستند الى الحرية الدينية، ولكن ما هي إلا مثال من الاستغلال الاقتصادي.
نشطاء
حقوق المرأة يزعمون أن زواج المتعة هو واجهة للدعارة، وتتم تغطية رقيقة
بواسطة الواجهات الدينية والقانونية، إنهم يبذلون الجهد لتصبح المرأة
العراقية أكثر حداثة والمجتمع أكثر ديمقراطية.، إنهم يشعرون أيضا بأنه
إهانة للمرأة، والقلق يتزايد في تنامي شعبية "زواج المتعة" في حرم
الجامعات.
وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي العاشر عن الاتجار بالبشر
لعام 2010 جاء فيه أن العراق من الدول التي يخرج منها ويتوجه إليها رجال
ونساء وأطفال يمارسون الاتجار بالبشر خاصةً الدعارة القسرية والعمل
بالإكراه. كما أكد التقرير أن زواج المتعة المنتشر في كربلاء والنجف جرى
استغلاله للاتجار بالبشر.
ويقع التقرير في 372 صفحة هو الأكثر شمولاً من نوعِه عن حالات الاتجار
بالبشر حول العالم ويتضمن تفصيلات عن جوانب متعددة من هذه الممارسات في 175
دولة منها العراق. كما يعرض جهود الحكومات في مكافحة ما يُعتبر من أشكال
الرق الحديث. وتستهدف نتائجه المنشورة زيادة الوعي العالمي بهذه الظاهرة
المتفاقمة وحضّ الدول على اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة الاتجار بالبشر.
وجاء في تقرير الخارجية الأمريكية أن "الاتجار ببعض النساء والفتيات يجري
داخل العراق لأغراض الاستغلال الجنسي عن طريق ما يعرف بزواج المتعة".
في صورتها الكاملة
العدد الكبير من الأرامل جعل البلاد سوقا للمتعة، أكثر من مليون امرأة من
دون معيل وتعاني الإهمال من قبل المؤسسات الحكومية الراعية لهن وخاصة وزارة
شؤون المرأة المهتمة بالألوان المزركشة - على حد وصف بعض النسوة - من
أمثال "علياء " التي أصبحت فريسة في أنياب مسؤول يستغل سلطته لتحويلها من
موظفة بعقد مؤقت في الوزارة إلى "دائمي"، وتشير علياء إلى أن الكثير من
النساء يتعرضن لحالات مماثلة من شخصيات بارزة في الوزارات، مستغلين قدرتهم
على التوظيف أو الفصل من العمل. وترى علياء أن رغبة هؤلاء الرجال في الحصول
على زوجات موقتات هو لادعائهم بأنهم متدينون!
ويبدو الأمر خطيرا حينما نتحدث عن الشبان الذين بلغوا سن الزواج في عراق ما
بعد الحرب، وهم حرفيا لا يمتلكون الوسائل لدعم زوجة دائمة ويجدون أنه من
الأسهل عقد زواج المتعة.
ويلفت محمد سليم، طالب في كلية العلوم بجامعة بغداد إلى أن "المتعة" صارت
وسيلة للكذب على الطالبات، مؤكدا " أنها منتشرة ولكن البطالة تتحمل بعضاً
من أوزارها".
فيما يشارك صديق محمد الزواج المؤقت مع اثنين من النساء ؛ الأولى أرملة حرب
والأخرى عانس، ويقول إن المرأتين وضعهما لا يسمح لهما بالدخول في علاقة
دائمة،والمتعة كان يعمل لمصلحة جميع الأطراف.
وأضاف "إذا اتُبع شرعيا، فإنه يحل مشكلة الشباب غير المتزوجين في هذا البلد ويمنع انتشار الزنى".
فيما يشير المحامي غانم العزاوي إلى أن هواتف شبكة الإنترنت والمحمول قد
لعبت دورا في ازدهار المتعة من خلال تعزيز بما اسماه "الجنس الالكتروني"
الذي لا يمكن في نهاية المطاف إلا أن يكون زواجا مؤقتا.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق