تحتفل الأمة الإسلامية اليوم في ذكرى ميلاد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم الذي شكّلت رسالته السماوية ودعوته للعرب وللناس كافة لاعتناق الإسلام ونقلهم من حال الظلمة إلى حال النور والإيمان، ومن حال الضعف إلى القوة، ومن حال الاستعباد إلى الحياة الحرة الكريمة ومن حال الفرقة والتشرذم إلى واقع الوحدة ومن حال الكراهية والامتثال إلى حال الحب والإيثار والوفاء والوئام، هذا الحال جدير بنا وبكافة المسلمين والمؤمنين أن يقفوا لحظة صادقة مع النفس لتقييم العوامل والأسباب التي مكّنت الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أن يغيّر ما كان عليه العرب عند بدء الدعوة، وفي خلال سنوات قليلة إلى ما وصلوا إليه من عز وكرامة وقوة وكبرياء، وأن يستخلصوا الدروس والعبر، علّها تساعدهم في تغيير واقعهم الحالي الذي يشبه إلى حد كبير حال العرب قبل الإسلام إن لم يكن أسوأ.
ومن العبر التي لا حصر لها ما يلي:
أولاً: أنّ طريق الدعوة إلى الإسلام لم يكن طريقاً مريحاً، بل كان مليئاً بالأشواك والعقبات، وقوبل بالرفض والمواجهة من أقرب الناس للرسول عليه الصلاة والسلام ومن قومه الذين كذبوه وحاربوه وطردوه من مكة المكرمة.
ثانياً: أنّ الإيمان بعدالة وأحقية الدعوة رافقها إصرار وتصميم وإرادة لم تلين أمام كافة وسائل التغريب والترحيب للرسول عليه الصلاة والسلام ولصحبه الكرام، لأن هذه الدعوة ما هي إلاّ انصياع لأوامر الله سبحانه وتعالى.
ثالثاً: صلابة موقف المسلمين وإيمانهم الراسخ بقوة وعدالة وسماحة الدين الإسلامي جعلهم يتحمّلون أقسى أنواع العذاب من المشرين، وقدموا حياتهم رخيصة من أجل رفع وإعلاء راية الإسلام.
رابعاً: إنّ القيم التي غرسها الرسول عليه الصلاة والسلام في عقول وقلوب المسلمين من عدالة ومساواة وعدم تمييز كأعمدة من أعمدة الدين الإسلامي الحنيف، حوّلهم إلى جسد إيماني واحد يجاهد في سبيل نشر الدعوة الإسلامية بالحجة والاقتناع، والتصدي لمن يحاول منعهم من تأدية رسالتهم نشر الإسلام.
خامساً: إيمانهم الراسخ غير القابل للتردد أو التشكيك، دفعهم إلى الالتفاف حول رسول الله عليه الصلاة والسلام ومبايعتهم إياه على الجهاد والدفاع عن الإسلام والمسلمين، وإقبالهم على الموت طمعاً في الجنة وزهداً في الدنيا ومغرياتها، فنصرهم الله سبحانه وتعالى على القوى العظمى في تلك الحقبة الزمنية.
سادساً: الأخذ والإعداد لعوامل القوة والنصر سواء تلك الإيمانية منها والاتكال على الله سبحانه وتعالى، والدنيوية التي تتطلّب منهم الإعداد لكافة عوامل النصر من قوة دنيوية، كاختيار مكان المعركة في بدر وتمكين المسلمين من حجز بئر المياه عن الأعداء المشركين، وإصرارهم على الامتثال لأوامر قائدهم عليه الصلاة والسلام وتوكلهم على الله سبحانه وتعالى إذ مكّنهم من النصر بالرغم من فارق القوة.
سابعاً: أنّ مخالفة المسلمين لأوامر قائدهم عليه الصلاة والسلام في معركة أحد عرّضهم لنكسة، وكذلك الحال عند إصابتهم بالغرور في معركة حنين دون الاتكال على الله سبحانه وتعالى، كاد أن يوقع بهم هزيمة كبرى. فكان الدرس بضرورة الجمع بعوامل القوة والإيمان بنصر الله تعالى والتوكل عليه، فمن يتوكل على الله فهو حسبه.
وهناك الكثير الكثير من الدروس والعبر التي لا يمكن لي في هذه المقالة الإلمام بها، ولكن النصر والدولة الإسلامية التي امتدت على نطاق واسع من الكرة الأرضية واستمرار دولة الخلافة الإسلامية حتى مطلع القرن العشرين، ما كان لها أن تستقيم دون التمسك بالإسلام وهديه.
وهكذا أخلص إلى أنّ حال أمتنا العربية والإسلامية التي تبعث على الأسى لما وصلت إليه من ضعف وفرقة وكراهية امتثال وتبعية، لم تكن إلاّ لابتعاد المسلمين عن التمسك بدينهم ولأوامر الله سبحانه وتعالى، ولكون قادتهم أبعد ما يكونوا عن التمسك بالإسلام وهديه، فعندما يضعف أو يتلاشى الإيمان فإنّ الغلبة ستكون للقوة المادية الدنيوية. فهلّا اتّعظنا وتمسّكنا بعوامل القوة التي وحّدت العرب والمسلمين فجعلتهم قوة عظمى يُرهب جانبها من الأعداء؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق