2012-05-25

مولود ناطق يثير الهلع في النجف والديوانية ويرفع الطلب على شراء الحناء ؟!!



 http://www.shakwmakw.com/wp-content/uploads/2012/05/2091850502najaf.jpg

مجموعة العراق للاعلام IQGM : لم يمنع ارتفاع درجات الحرارة أبو محمد (40 سنة) من أن يتوجه ظهرا إلى أسواق النجف بحثا عن الحناء بعد أن يئس من البحث عنها في أسواق مدينة الكوفة التي تبعد عدة كيلومترات عن مركز مدينة النجف.
وليس غريبا أن يقوم الرجل بالبحث عن الحناء لزوجته حتى ولو حتى في منتصف النهار وفي حرارة تزيد عن 42 درجة، لكن مشهد أبو محمد كان غريبا وهو يظهر الاصرار في العثور على الحناء ومعالم الخوف كانت بادية على وجهه الذي يتصبب من العرق، وبعد برهة يتوقف ليفصح أنه يبحث عن الحناء لوضعها على رأس ابنه وابنته الصغيرين، ويوضح أن شائعة انتشرت في مدينته تروي أن "طفلا حديث الولادة تكلم قبل وفاته وذكر أن عاصفة ترابية شديدة ستهب وستؤدي إلى موت جميع الاطفال اذا لم يتم وضع الحناء على رؤوسهم"  مشيرا لا أدري متى نفذ الحناء من السوق بهذه السرعة"، ويضيف "انا وزوجتي قلقان جداً على اطفالنا".
ويروي مواطنون من النجف أن إشاعة قد انتشرت في مدينتهم والمدن المجاورة لها مفادها أن طفلا ولد حديثا في أحد مستشفيات النجف تكلم بعد الولادة مباشرة فسمعه والده فقط ولم يفهم معنى الكلام فقام بنقله الى أحد رجال الدين الذي اوضح له أن الطفل يقول إن عاصفة ترابية ستهب قريبا على المحافظة، وأنه حذر من أن الطفل الذي لايضع الحناء على رأسه سيكون في خطر!
ام علي: القضية اكيدة وحنيت أولادي الخمسة
وبينما كان أبو محمد يفتش جاهدا عما تبقى من الحناء في أسواق النجف، بدت أم علي (38 سنة) وهي ربة بيت مطمئنة تماما، إذ تقول إنها كانت أول من وضع الحناء على رؤوس أولاده، وتضيف باللهجة العامية "حنيت رؤوسهم وأياديهم أولادي الخمسة، عمي الموضوع أكيد والناس كلها دا تحجي (تتكلم عن الموضوع)".
وتلفت أم علي، التي تسكن في حي العسكري في اطرف مدينة النجف إلى أنها وضعت الحناء على رؤوس أربعة من ابنائها فيما رفض ولدها الأكبر علي الطالب في الصف السادس الابتدائي وضع الحناء على رأسه خشية من أن يسخر زملاؤه منه في المدرسة إلا ان أم علي تلفت إلى أنها استطاعت ان تقنع علي "بعد جهد" أن يضع الحناء على رأسه، وتتابع بالقول "ليس لدي سوى أطفالي وأنا غير مستعدة أن أعرضهم للخطر".
رعب الأهالي.. ربح للتجار!
ولم تبق الشائعة في مدينة النجف وضواحيها بل وصلت إلى سكان المحافظات المجاورة لتثير مزيدا من الهلع بين السكان و بالتالي تصريف ما كان متوفرا في الأسواق من الحناء.
ويقول الموظف حسين الاسدي (59 سنة) الذي يعمل في إحدى الدوائر الحكومية بمحافظة الديوانية بلهجة شعبية لوما زوجتي تريد اتخلي حنا لاحفادنا وضغطت عليه ما اشتريها مضيفا أن "ضغوط" زوجته اجبرته على شراء الحناء لوضعها على رؤوس احفادهما بعد أن امتنعت امهم عن هذا الامر.
ويؤكد محمد حسون وهو صاحب محل لبيع الحناء في إحدى أسواق النجف فوجئنا بالاقبال الكبير على شراء الحناء بحيث نفذ كل مالدينا خلال ايام قليلة ويضيف الحسون أنه على الرغم من أن أصحاب المحال هم الجهة الوحيدة المستفيدة من الشائعة إنما ليس لهم أي علاقة بإطلاقها، وهو أمر يؤكده أيضا رئيس غرفة تجارة الديوانية محمود الليثي.
ويقول الليثي إن التجار لا يلجؤون لهذه الطرق من أجل تصريف بضائعهم لأنها تعتبر غير منطقية ولا تمت للعقل بصلة.
رجال الدين: الإشاعة هدفها الإساءة ووراؤها جهات داخلية واقليمية
اما رجال الدين فسارعوا الى نفي الخبر واعتبروه بأنه مجرد "شائعة" وفي الوقت الذي دعوا فيه المواطنين الى عدم الانجرار وراء الشائعات والاخبار الكاذبة، لم يستبعدوا ان يكون العمل مقصودا بهدف الاساءة إلى المسلمين.
ويقول الأستاذ في الحوزة الدينية في النجف حسن الساعدي إن "قصة الطفل لا تحظى بقبول العقل والمنطق كونها إشاعة مركبة لافتا إلى أن ما يتعلق بنطق الأطفال حديثي الولادة لم يحصل إلا للانبياء وربما بعض الأوصياء لأنه من المعجزات بينما الطفل الناطق بحسب الإشاعة ينتمي إلى عائلة بسيطة ولم يسمعه إلا من نقل الإشاعة.
ويبين الساعدي أن "الدين الاسلامي هو دين عقل وعلم ومنطق وليس دين خرافة وشائعات مجهولة المصدر".
من جانبه، يقول أحد رجال الدين المعروفين في الديوانية الشيخ حافظ العبودي إن الإشاعة بثت بطريقة علمية مدروسة ما يدل على وقوف جهات مغرضة خلفها تهدف إلى تشويه المذهب الشيعي.
ويوضح العبودي أن الهدف منها هو زعزعة الوضع الاجتماعي في البلاد وإثبات أن عقلية المسلم ضحلة وتؤمن بالخرافات، مرجحا وقوف جهات "داخلية خارجية" وراء نشر هذه الإشاعة مؤكدا أن مكاتب المراجع الدينية في النجف الاشرف نفت وجود أي علاقة للمذهب بهذه الإشاعات المغرضة، داعيا رجال الدين الى تنظيم ندوات مكثفة في عموم المحافظة لغرض توعية المواطنين بحقيقة الشائعات وأهدافها.
الصحة: هي اشاعة لكن ندعو للاهتمام بالاطفال في جميع الاحوال
ولم تنتظر دائرة صحة النجف طويلا لتنفي هي الأخرى قضية الطفل وما تضمنته من إشاعات حول تكلمه، إذ تؤكد أن أي حالة من هذا النوع لم تسجل في مستشفيات النجف خلال الفترة القليلة الماضية.
ويقول معاون مدير صحة النجف محمد حسين هادي سمعت ما تدواله الناس في الآونة الاخيرة عن إشاعة تقول إن الحناء تمنع الوفاة والامراض وانتقال الفيروسات عند الاطفال وغيرهم، مضيفا لكن المنطق والحقيقة يؤكدان عدم وجود ارتباط علمي بين الموت والحناء.
ويوضح هادي أن ما حصل لايعدو كونه مجرد اشاعة تناقلها الناس البسطاء وانتشرت بينهم واصبح لها تطبيق عملي مما قادهم إلى التهافت على شراء الحناء من العطارين والأسواق، مشددا على ضرورة عدم الانجرار وراء الإشاعات غير معروفة المصدر والهدف والتي لا تستند الى أساس علمي.
 ويدعو معاون مدير صحة النجف سكان النجف الى ضرورة الاهتمام بأطفالهم في جميع الاحوال، ويتابع على الأهل أن يهتموا بغذائهم وتربيتهم من خلال تطبيق التعليمات الصحية والتي تمثل ثمرة جهود علمية وبحوث ودراسات وتجارب لعقول أفنت عمرها في خدمة الإنسانية.

باحثون: المجتمع العراقي ما زال أسير الخرافات
ويعتبر باحثون ان انتشار الخرافات في المجتمع العراقي ليس جديدا، بل ينحدر من أساطير الف ليلة وما قبلها، إلا انهم يلفتون إلى ان تصديق المجتمع بهكذا أساطير حتى الآن إنما يدل على تدن في مستوى الثقافة وخاصة الدينية، لافتين إلى ان هذا الوضع الاجتماعي يسمح للبعض بإطلاق هكذا شائعات من أجل تحقيق غاية معينة أكانت اقتصادية أو سياسية او غيرها لأنه يعلم مسبقا بأن شائعته ستروج.
ويقول الأستاذ في كلية الآداب قسم علم الاجتماع حسين فاضل سلمان إن قضية الطفل تعتبر من قضايا التأويل غير المستندة إلى شيء حقيقي، لافتاً إلى أن ظاهرة الطفل المتكلم لها أبعاد دينية وصحية واقتصادية، خصوصاً أن البعض يقول إن عدداً من التجار اخترعوها لتصريف بضاعتهم من الحناء.
ويضيف سلمان أن التدين الشعبي في المجتمع العراقي وخصوصاً في المجتمعات الريفية أو الشعبية خلق نوعاً من التدين يعتمد على آليات وأنماط ثقافية تبرر فيها الكثير من الأحداث ومن بينها هذه القضية، مشيراً إلى أن معلوماتهم الدينية محدودة ولهذا فإنهم يفسرون كل ظاهرة أو خرافة بالشكل الذي يرغبون به.
ويعزو سلمان، وهو أستاذ أنثروبولوجيا ثقافية، سبب انتشار هذه الظواهر والخرافات إلى "النمط الديني المتبع"، مبيناً أن المجتمع العراقي يعيش أزمة في ثقافته وحياته اليومية وسلوكياته، لهذا فإن مثل هذه القضايا تأخذ حيزاً كما أخذت قضية الإيمو في المجتمع والتي كان هدفها إثارة الخوف.
ويتابع سلمان أن الثقافة الهامشية التي يعيشها المجتمع العراقي تشكل بدورها سبباً لانتشار هذه الظواهر، كما أن الرواسب الثقافية التاريخية لاتزال عالقة في أذهان المجتمع وخصوصاً الأساطير والخرافة كما في ألف ليلة وليلة وغيرها.
من جهته، يرى  الباحث الاجتماعي  فاضل الفتلاوي أن الخرافة والأسطورة لا تزال تسيطر على المجتمع العراقي ومتذرة فيه على الرغم من أن العقل البشري المتطور يرفض هذه الإشاعات وأن البلاد شهدت تطوراً تكنولوجياً ملحوظاً خلال السنوات الماضية لافتا إلى انتشار ظاهرة التقليد في المجتمع من قبل الكثير من الفئات حتى ولو كانت غير مقتنعة بما يقوم به الآخرون، عازياً السبب إلى الفراغ  الذي يعاني منه أفراد المجتمع، مما يجعلهم يقلدون أي شيء لسده.
وانتشر الحديث عن ظاهرة الطفل المتكلم في النجف قبل وفاته في العديد من المحافظات العراقية خلال الساعات الماضية وتزامن انتشار الاشاعة مع إقبال غير معهود على محال العطارة لشراء الحناء، واصبحت محلا للسخرية في المواقع الالكترونية وصفحات الفيسبوك والتي عزت انتشارها السريع إلى "حالة التخلف الاجتماعي الموجودة في العراق".
ودأب المجتمع العراقي ومنذ القدم على تداول الخرافة والاساطير والشائعات كقصص الفانوس السحري والسندباد وبساط الريح وعلي بابا مرورا بالتاريخ الحديث وخاصة في فترة تسعينات القرن الماضي وقبيل سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 إذ راج الحديث فيها عن العديد من الظواهر الخارقة مثل تحول فتاة الى عقربة لأنها قامت بتمزيق القرآن الكريم وغيرها من الروايات والاشاعات التي لم يتم التأكد من صحتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق