2012-05-26

صراع في الطين يحول الفتاة الى امرأة

 

مجموعة العراق للاعلام IQGM : عند المجموعة الاثنية الفطرية داني، ،التي تعيش في جزر خاضعة لاندونيسيا، فإن اول عادة شهرية عند الفتاة هي بداية حفلة ليلية طويلة. جميع نساء القرية ترقص الليل بطوله ويتقلبون في الطين وفي النهاية يشعلون النار، واتجاه الدخان االصاعد يشير الى الجهة التي ستجد فيها الفتاة عريسها. تقاليد غريبة تعطينا الامكانية للنظر الى مصدر العادات واسباب تنوعها واسس نشوء الاديان.

غناء النساء يملئ ارجاء الغرفة الكبيرة وفي منتصفها تجلس فتاة مراهقة اسمها دوراليك مستمتعة بالاهتمام المنصب عليها في يومها العظيم. في هذا اليوم بدأت العادة الشهرية لديها.
هذا الحدث جرى لدى مجموعة شعب داني على جزيرة Irian Jaya, القسم الغربي وهو القسم الخاضع لاندونيسيا من جزيرة غوينيا الجديدة. الدانيين يعيشون في سهل باليمه Balime, وهي منطقة منعزلة كانت حتى عام 1938 تظهر على الخرائج كبقعة بيضاء. وعلى الرغم ان القبيلة اصبحت في تواصل اكبر مع الحضارة الخارجية الا انها لازالت تنتمي الى المجموعات الاكثر صفاء، سلوكيا ومفاهيميا واثنيا. اغلب عاداتهم لازالوا متمسكين بها. احدى هذه العادات حفلة “hotaly” والتي تكون على شرف بدء العادة الشهرية عند فتاة.

كوسا والد دوراليك هو الذي لاحظ سيلان الدم على سيقان ابنته في الصباح المبكر واخذها من يدها على الفور وقادها الى امها. الام اخبرة ابنتها بالمعاني الجديدة المترتبة على هذا الحدث الرائع وماذا سيحدث الان. بعد ذلك اصطحبتها الى النساء في المطبخ الجماعي حيث جلست دوراليك على ربطة من القصب. وعلى مدى الوقت اللاحق تقاطرت النساء واحدة بعد الاخرى وبدأ الرقص والغناء.
طول المساء والليل ستبقى دوراليك جالسة على ربطة القصب، الذي من مهمته امتصاص الدم الخارج. لايجوز لها النوم وعند حاجتها للذهاب الى الخلاء تصاحبها امها.
تماما كما هو الحال عندما يصبح المرء مريضا او يتعزى بموت قريب فإن العادة الشهرية الاولى هي فترة محفوفة بالمخاطر والاحتمال كبير ان تصاب الفتاة بالارواح الشريرة، (حسب تفسيرات القبيلة). لهذا السبب فإن الغناء والرقص هما لحماية الفتاة ان يركبها الشيطان او تصاب بالارواح الشريرة.
الرقص لايملك تنوعا في الحركات وانما الراقص يبقى في مكانه ويحرك جسمه. من الغريب ان القطعة الوحيدة التي تغطي فرج النساء ، وتسمى jogal, تبقى في مكانها ولاتنزلق ساقطة خلال حركات الرقص. يوغال هي قطعة منسوجة من اوراق القصب تحيط بخصر المرأة ترمز الى ان المراة متزوجة. الغير متزوجة مثل دوراليك ترتدي تنورة بسيطة عبارة عن اوراق قصب طويلة وجافة. لربما تبدل دوراليك تنورتها قريبا، إذ ان مجرد عبورها لطقس الهوتالي hotalyceremonin, تصبح ناضجة وجاهزة للزواج.
في السابق كانت فتيات داني يستطعن الزواج فقط في حفلة الزواج الجماعية التي تحدث مرة كل اربعة سنوات، غير ان هذه العادة جرى التخلي عنها في السنوات الاخيرة. الفتاة تقرر بنفسها اغلب القضايا التي تخصها ومن ضمنها الشخص الذي ستتزوجه. ولكون القبيلة لم تعد تقيم حفلات الزواج الجماعية اصبحت الفتاة هي التي تقرر متى سيحدث الزواج. الشرط الوحيد المطلوب منها هو المرور بطقس الهوتالي.
عندما تقرر الفتاة رغبتها بالزواج ترسل الخطابين الى الرجال او الرجل الذي تشتهيه. ومع ازدياد عدد الفتيات في داني من اللواتي اصبحن اليوم قادرات على الكتابة فليس من المستغرب ان ترسل احداهن رسالة بخط يدها الى عشرة او خمسة عشرة من العرسان المختارين. فيما بعد تختار الفتاة واحد من بين هؤلاء الذين وافقوا على دعوتها.

بعد انقضاء ليلة بدون نوم تخرج النساء من المطبخ ويتوجهوا الى المنحدر بإتجاه النهير. وعلى الرغم من انهم قضوا الليل بكامله يرقصون ويغنون الا ان الحفلة الحقيقية بدأت الان، إذ انهم يقفون امام حفلة الصراع بالطين. تقفز النساء في حقل الطين ويبدؤا يقذف كرات الطين على بعضهم، ثم يتماسكون بالايدي ليسقطوا في الطين ويسقطوا بعضهم البعض ليغطيهم الطين من احمص اصابعهم الى قمة رأسهم. الجميع يشعر بسعادة منقطعة النظير وهذه هي قمة طقس هوتالي، لقد اصبحت الفتاة صالحة للزواج.
بعد حفلة الصراع يصب الجميع الماء على نفسه من ماء النهير وينظفون انفسهن ويشعلون النار. وظيفة النار ليس فقط التدفئة وانما لها سبب طقسي هام. عندما تصبح النار قوية ترمى فيها ربطة القصب المشبعة بدم حيض دوراليك. قسم من الحاضرات يتابعن اتجاه الدفعة الاولى من الدخان المتصاعد لان الدخان، وحسب الطقوس، يشير الى الجهة التي يقطن فيها الزوج القادم.
الان تتقدم النساء واحدة بعد الاخرى لتقدم الى دوراليك تنورة بسيطة من اوراق القصب، وهي عبارة عن حبل من اوراق القصب تتدلى منه صف من اوراق القصب الطويلة يقومون بصنعه بأنفسهم.. بعضها كانت حديثة الصنع والبعض الاخر كان قديم ورمادي اللون. التنورة يجري تعليقها على خصر دوراليك لتصبح طبقة فوق طبقة. بعد الانتهاء تصبح تنورة مثيرة للاعجاب. وفي ختام الحفلة تقوم النساء بالغناء والرقص، هذه المرة بمشاركة دوراليك ايضا.

ظاهر هذه الطقوس تبدو وكانها لاضاعة الوقت والتسلية. وإذا سئلنا المشاركات عن اسباب هذا العمل لاجابوا “هذا ماكانت عليه امهاتنا” عند اقامة طقس الهوتالي لابعاد الارواح الشريرة. وإذا قارنا هذا الطقس مع طقوس الشعوب الاخرى التي تقام بمناسبة الانتقال من مرحلة الى اخرى، لوجدنا انه يتضمن معاني عميقة. مرحلة الانتقال من الطفولة الى النضوج ، اغلب الحضارات تربطه بظاهرة الموت واعادة البعث. هذا التفسير ينطبق ايضا على طقس الهوتالي.

طقس الصراع في الطين كان حفلة وداع للدور السابق لدوراليك في القبيلة. لقد جرى غسل طفولتها بالطين وازالة آثارها . وعندما تقوم بصب الماء وغسل جسدها من بقايا الطين تولد من جديد ناصعة طاهرة ونظيفة، تماما كالعذراء التي تخرج من شرنقتها بولادة جديدة جاهزة لوظيفتها العظيمة الخلاقة والمقدسة وفي خدمتها الذكر. لهذا السبب ليس من الغريب ان اقربائها من الذكور كانوا يقفون على مقربة يراقبون العملية وهم في كامل زينتهم الرسمية الجميلة. زينة رجال داني ليست معقدة، انها عبارة عن الوان للوجه والسيقان وتزيين الرأس بريش الطيور الملونة إضافة الى انبوب طويل من ثمرة اليقطين يركب على رأس العضو الذكري مربوط بحزام على الخصر ليبقى الانبوب منتصباً الى الاعلى ويسمى wshar, وهو انبوب لاعلاقة له بالاحتفال اذ انه ” الزي التقليدي” والدائم لرجال شعب داني. والبعض من الشبان يضيف انياب الحيوانات الى زينته، حيث نراهم يضعون انياب الخنزير البري في فتحات الانف. ويزداد فضولهم عند اشعال النار في انتظار رؤية اتجاه الدخان.

على العكس من ذكور القبائل الاخرى الساكنة على جزيرة غينيا الجديدة فإن رجال داني لايخشون العادة الشهرية ولايعتبرونها نجاسة. انهم لايقتربون جنسيا النساء في اثناء العادة الشهرية ولكن المراة قادرة على الانتقال اين ماشاءت. المكان الوحيد الذي لايجوز لها دخوله هو بيت الرجال، وهو مكان لايجوز للنساء على العموم دخوله.
سعيد الحظ الذي ستختاره دوراليك زوجا لها لايجوز له ان يحلم بسنوات طويلة المتعة مع زوجته. بعد الطفل الاول لايجوز للزوج ممارسة الجنس مع زوجته على مدى مابين اربعة وستة سنوات. لهذا السبب نجد ان الاشقاء قليلي العدد في هذه العائلة الكبيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق