سليمان القانوني بن سليم (في الغرب يعرف ب سليمان العظيم) أحد أشهر
السلاطيين العثمانيين، ولد في مدينة طرابزون حين كان والده والياً عليها
عاش بين عامي (900هـ-972هـ) - (1495م-1566م)، وحكم لفترة 48 عاما منذ عام
1520م،وبذلك يكون صاحب أطول فترة حكم بين السلاطيين العثمانيين. زادت مساحة
الدولة العثمانية بأكثر
من الضعف خلال فترة حكمه، حيث فتح شمال أفريقيا،
وفي أوروبا قضى على دولة المجر وفتح بلجراد وحاصر فيينا.والده السلطان سليم الأول ووالدته حفصة سلطان ابنة منكولي كراني خان القرم، و يعتبر المؤرخون الغربيون هذا السلطان أحد أعظم الملوك على مر التاريخ لأن نطاق حكمه ضم الكثير من عواصم الحضارات الأخرى كأثينا و صوفيا و بغداد و دمشق و إسطنبول و بودابست و بلغراد و القاهرة و بوخارست و وتبريز و غيرهم.
نبذة عن السلطان سليمان :
سليمان القانوني :
قضى السلطان سليمان القانوني ستة وأربعين عاما على قمة السلطة في دولة الخلافة العثمانية، وبلغت في أثنائها الدولة قمة درجات القوة والسلطان؛ حيث اتسعت أرجاؤها على نحو لم تشهده من قبل، وبسطت سلطانها على كثير من دول العالم في قاراته الثلاث، وامتدت هيبتها فشملت العالم كله، وصارت سيدة العالم يخطب ودها الدول والممالك، وارتقت فيها النظم والقوانين التي تسيّر الحياة في دقة ونظام، دون أن تخالف الشريعة الإسلامية التي حرص آل عثمان على احترامها والالتزام بها في كل أرجاء دولتهم، وارتقت فيها الفنون والآداب، وازدهرت العمارة والبناء.
توليه مقاليد السلطة :
تولى السلطان سليمان القانوني بعد موت والده السلطان سليم الأول في 9 شوال 926هـ - 22 سبتمبر 1520م، وبدأ في مباشرة أمور الدولة، وتوجيه سياستها، و كان يستهل خطاباته بالآية الكريمة {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، والأعمال التي أنجزها السلطان في فترة حكمه كثيرة وذات شأن في حياة الدولة.
في الفترة الأولى من حكمه نجح في بسط هيبة الدولة والضرب على أيدي الخارجين عليها من الولاة الطامحين إلى الاستقلال، معتقدين أن صغر سن السلطان الذي كان في السادسة والعشرين من عمره فرصة سانحة لتحقيق أحلامهم، لكن فاجأتهم عزيمة السلطان القوية التي لا تلين، فقضى على تمرد "جان بردي الغزالي" في الشام، و"أحمد باشا" في مصر، و"قلندر جلبي" في منطقتي قونيه ومرعش الذي كان شيعيًا جمع حوله نحو ثلاثين ألفًا من الأتباع للثورة على الدولة.
فتح جزيرة رودس :
أراد العثمانيون احتلال جزيرة رودس لموقعها الاستراتيجي في البحر المتوسط و منعا لأية أساطيل بحرية معادية من العسكرة فيها خلال أوقات الحروب ، و لقد استغل السلطان سليمان الأوضاع السياسية التي كانت تمر فيها أوروبا أنذاك من صراعات بين ملوكها وأساقفتها وأمرائها .
عندما أبى رهبان الجزيرة تسليمها إلى العثمانيين ، دكت المدفعية العثمانية جدران حصنها المنيع و الذي كان يعد أحد أمنع الحصون في العالم في ذلك الحين ، ويقال أن القوة البرية العثمانية حفرت ما يقارب 50 سردابا تحت الحصن ، و شنوا هجوما على المدينة من تحت الأرض ، ولكن القوة المدافعة تفانت في الدفاع عن الجزيرة و ردت هذا الهجوم المفاجئ ، كما دافعوا بكل قوة عن حصن جزيرتهم ، ويروي أن نساء رودس كانت تعاون رجالها و رهبانها في الدفاع عن أسوار الجزيرة ، و لما انقطعت الحلول من أمام رئيس الرهبان مع نفاذ مؤنته و ذخيرته آثر التسليم في سنة 929هـ .
بعد دخول الخليفة العثماني رودس ظافرا ، اختار كبار القساوسة و فرسانهم مغادرة الجزيرة ، فاتجهوا إلى مالطا و أقاموا فيها(وعرفوا بـفرسان القديس يوحنا الأورشليمي أو فرسان مالطا) ، و حاصرتها البحرية العثمانية في نهاية عهد القانوني ولكن دون أن تفلح في فتح الجزيرة بسبب دخول الحصار فترة الشتاء.
فتح بلاد المجر و التصادم مع النمسا :
تحولت طموحات السلطان القانوني إلى بلاد المجر لاسيما بعد المراسلات مع التي دارت مع الفرنسيين و الذين تقدموا بطلب لدى السلطان لكي يهاجم المجر لإضعاف ملك شارلكان و رفع شيء من الضغط عن الفرنسيين في الغرب.
حشد سليمان الأول الجيوش و سار بها نحو بلاد المجر عبر بلغراد ، و بعد عدة فتوحات إلتقى بالجيش المجري في منطقة موهاكس و جرت معركة موهاكس الفاصلة سنة 932هـ - 1526م التي انتهت بانتصار العثمانيين و تسلم سلطانهم مفاتيح عاصمة المجر بود (و تعني البلد العالي) ، و يجدر الإشارة هنا أن بودابست كانت عبارة عن مدينتين منفصلتين أنذاك و هما: بود و بست .
عند عودة سليمان الأول من بلاد المجر اصطحب السلطان معه الكثير من نفائس البلاد و خاصة كتب كنيسة ماتياس كورفن ، و هي كنيسة اعتاد الأوروبيون على تسميتها بكنيسة التتويج لأن الملوك الأوروبية كانت تتوج فيها ، و حول المسلمون تلك الكنيسة إلى مسجد و أضيف إليهاالنقوش العربية ، و أعيد المسجد كنيسة عندما خرج العثمانيون من هنغاريا و بقيت النقوش العربية حتى يومنا هذا.
أصبحت الأراض الهنغارية فيما بعد ساحة حرب بين النمساويين و العثمانين ، و كانت الحرب سجالا بين الطرفين لا تلبث أن تنطفئ حتى تشتعل من جديد ، و مالت كفة الانتصار للعساكر العثمانية مما جعل النمسا تدفع الجزية للأستانة في معظم الأوقات ، و حاصر السلطان فيينا مرتين و لم يتمكن من فتحها ، و ذلك لسوء الأحوال الجويةالتي كانت تمنع العثمانيين من نقل معدات حصارهم الثقيلة وبعد المسافة عن حاضرة الخلافة.
الصدام مع الدولة الصفوية :
وفي آسيا قام السلطان سليمان بعدة حملات كبرى ضد الدولة الصفوية، ابتدأت من سنة 941هـ - 1534م، حيث نجحت الحملة الأولى في ضم تبريز إلى سيطرة الدولة العثمانية ، حيث ساق الوزير الأول إبراهيم باشا الجيوش وضم العديد من الحصون و القلاع في طريقه كقلعتي وان و أريوان ، و عمل الوزير الأول على بناء قلعة في تبريز و ترك فيها من الحامية المنظمة مايكفي لحفظ الأمن العمومي.
وفي شهر أيلول ( سبتمبر ) من نفس السنة وصل سليمان الأول إلى تبريز و استأنف العمليات الحربية ضد الشاه طهماسب لكن سوء الطرق وكثرة الأوحال و سوء الأحوال الجوية جعلت نقل المدفعية العثمانية الضخمة أمرا محالا ، فقام الخليفة بتحويل الوجهة نحو بغداد و بالفعل دخلها بعد هروب حاميتها الصفوية ، و قام السلطان عند دخوله بزيارة قبور الأئمة العظام المتواجدة في العراق .
و في سنة 962هـ - 1555م أجبر الشاه طهماسب على الصلح وأحقية العثمانيين في كل من أريوان و تبريز وشرق الأناضول.
مكائد زوجته روكسلان و ابنها :
أرادت إحدى زوجات السلطان المعروفة باسم روكسلان الروسية في المراجع الغربية أو خرم (بتشديد و كسر الراء) في المراجع التركية تمهيد الطريق لابنها سليم ليتولى ميراث أبيه فيما بعد ، فاشتغلت بالدسائس و ساعدها الصدر الأعظم رستم باشا على ذلك ، فانتهز الأخير فرصة سفر ابن السلطان مصطفى في إحدى الحملات العسكرية إلى بلاد فارس و كاتب سليمان الأول يخبره أن ابنه يريد أن يثور عليه كما ثار أبوه( سليم الأول ) على جده بايزيد الثاني ، فانطلت الحيلة على الخليفة الذي سافر من فوره إلى معسكر الجيش في بلاد فارس متظاهرا بقيادة الجيش بنفسه، و استدعى ابنه إلى خيمته و قتله فور دخوله إياها ، و كان للسلطان سليمان إبن آخر يدعى جهانكير توفي أيضا بعد مقتل أخيه مصطفى بقليل من شدة الحزن.
بعد وفاة روكسلان الروسية ، قام إبنها سليم بالكيد لبايزيد ابن السلطان سليمان المتبقي و أخوه من زوجة ثانية ، وتمكن من استئجار مربي بايزيد ليسرب له معلومات كاذبة مفادها أن والده الخليفة كان ينوي استخلاف سليم الأصغر سنا على ملك آل عثمان ، وجرت مراسلات بين الأخوين تمكن فيها سليم من إثارة غضب بايزيد ، وقام الأخير بمس كرامة أبيهما ببعض العبارات في إحدى المراسلات، فأرسل سليم الكتاب إلى الخليفة سليمان الذي غضب غضبا شديدا و كتب إلى بايزيد يوبخه ويأمره بالانتقال من إمارته في قونية إلى مدينة أماسيا ، فخشي بايزيد غدر أبيه فجمع قرابة عشرين ألفا من الجنود و آثر التمرد على أبيه ، إلا أن نار التمرد أخمدت على يدي جيش الوزير صقللي محمد باشا ، وإلتجأ بايزيد مع أبنائه إلى جوار طهماسب شاه فارس ، و لكن طهماسب غدر في الابن المسكين و سلمه إلى أبيه بعد أن أظهر له المودة وقبل أن يجيره ، و قتل رسل السلطان بايزيد مع أبنائه الخمسة.
التطور الحضاري :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق