احتلال الدفاع واسقاط صورة الزعيم قاسم 9 شباط 1963
اثناء تقلب كتاب صفحات عبد الكريم قاسم وساعاته الاخيرة للمؤلف أحمد فوزي عبد الجبار نقرأ الاحداث كما رويت وهناك بعض الروايات التي ادعى فيما بعد عبد السلام عارف ونسب الكثير منها لنفسه حين التقى الصحفي المصري موسى سلامة ويبدوا انها كانت مجاملات لجمال عبد الناصر وأن كانت تلك الرواية وقضية القرآن في جيبه صحيحة لربما سيقول العراقيين ذلك هو القرآن الذي أقسم عليه عبد السلام عارف قد أنتقم منه بسقوط الطائرة ولنقرأ بعض مايرويه شهود العيان قائلين :
يروي المقدم الركن صبحي عبد الحميد تلك اللحظات التي جاءوا بالزعيم عبد الكريم قاسم ورفاقه الى الاذاعة قائلا :
كنت واقفا في باب الاستوديو الكبير في الاذاعة , فشاهدت عبد الكريم قاسم يدخل مبنى الاذاعة وحوله عدد من الضباط الثائرين . تقدم اليه أحد رؤساء العرفاء ويدعى شهاب أحمد عزيز وضربه على رأسه قائلا له (( هذي من ناظم الطبقجلي .. )) فسقطت سدارته العسكرية على الارض . فتناولتها , وسلمتها له .
فقال لي عبد الكريم قاسم : أشكرك ..
وقلت لرئيس العرفاء : لاتضربه .. ماكو داعي .
ثم أدخلته الاستوديو الكبير , وقدمت له كرسي خيزران له ولجماعته , فشكرني على ذلك ..
وطلب ماء .. فجلب له قدح ماء , وقدم اليه فشربه .
قاسم امين الجنابي مرافق الزعيم أعفي من الاعدام وبقي لغزا محيرآ
ثم وصلت المدرعة التي تحمل العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العليا الخاصة . والمقدم قاسم أمين الجنابي , مرافق عبد الكريم قاسم الى الباب الرئيسية لمبنى الاذاعة بعد دقائق قليلة من وصول المدرعة الاولى .
أنزل المهداوي والجنابي من المدرعة . وما كاد الضباط والجنود يشاهدون المهداوي حتى انهالوا عليه بالضرب بأخماس البنادق والرشاشات , فسالت منه الدماء غزيرة , ولم يبق موضع في جسمه لم يصب بأذى ,
وصفي الطاهر، المهداوي، ماجد محمد أمين
ويقول صبحي عبد الحميد :
أنني لم أعرف المهداوي أول مرة عندما أقتادوه الى الاستوديو الكبير, حيث يجلس عبد الكريم قاسم وطه الشيخ أحمد وكنعان حداد , فقد كانت الدماء تغطى وجهه وملابسه .
يقول عبد الرحمن فوزي أحد موظفي الاذاعة وكان خفرآ في ذلك اليوم : أن احد العرفاء تقدم من المهداوي وضربه بأخمص رشاشته السوداء على رأسه , فنزف الدم منه كأنه نافورة , لطخ لوحة الاعلانات المثبتة في الصالون الامامي , قائلا له : هذي من شهداء الموصل ..
وكان أغلب الوزراء الذين عينتهم الثورة , والذين أذيعت أسمائهم مساء أمس قد ألتحقوا بالاذاعة ,كما كان أغلب القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي متواجدين في تلك الساعة في الاذاعة . وكانوا جالسين في أحدى الغرف الكبيرة .
تقدم أحمد حسن البكر الذي أصبح رئيسآ للوزراء من المتواجدين في الغرفة وقال لهم : (( هل تريدون أن نحاكمهم الان وننفذ بهم الحكم ؟ , أم تريدون أن نبقيهم ونحاكمهم بعد ذلك ؟ .. ))
فقال أحد الحاضرين :
أذا لم يقتل عبد الكريم قاسم الان , وأذا علم الشيوعيين بأنه حي لم يقتل فأن الثورة تظل مستمرة خمسة أو ستة أيام . أقتلوه الان , ولاتبقوه حيآ .
فأيده جميع الحاضرين .. وتم الاتفاق على محاكمته وتنفيذ الحكم فيه ..
دخل عبد السلام عارف الذي نصب رئيسآ للجمهورية الى الاستوديو الكبير وعدد من الضباط المشاركين في الانقلاب .
يقول الحاج محمود شيت خطاب الذي عينه الانقلابيون وزيرآ للبلديات وأحد المتواجدين في الاستوديو الكبير في تلك اللحظات قائلأ :
(( عندما شاهد عبد الكريم قاسم , عبد السلام عارف يدخل الاستوديو قال له :
سلام أنا ما عدمتك .. فلا تعدموني .. تستفيدون مني . ارسلوني لتركيا أو النمسا ..
غير أن المقدم الركن عبد الستار عبد اللطيف الذي عينه الانقلابيون وزيرآ للمواصلات صرخ بعبد السلام عارف قائلآ :
ماذا تنتظرون .. الموقف حرج جدا .. فلا من البت بالامر بسرعة .
عسكري يمزق صورة الزعيم عبد الكريم قاسم في 9 شباط 1963 بمبنى الدفاع
وكان الموقف خارج الاذاعة حرجآ جدآ , أذ كان أنصار النظام القاسمي يحتلون سطوح البيوت المحيطة بالاذاعة , وكانوا يرمون دار الاذاعة بوابل من النيران يكاد لاينقطع ..
قال عبد السلام عارف : أنا واحد منكم فقرروا ماتقررونه ..
وجه علي صالح السعدي أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث والذي عينه الانقلابيون نائبا لرئيس الوزراء و وزيرآ للداخلية الى عبد الكريم قاسم سؤالأ :
كانت عندنا حركة قبل أسبوعين , وأخبرك بها أحد الاشخاص , فمن هو هذا الشخص ؟ وهل هو موجود الان بيننا نحن الحاضرين ؟
فأجابه عبد الكريم : لايوجد الشخص الذي أخبرني بينكم بشرفي
فرد عليه علي صالح السعدي : من أين لك أن تفهم الشرف ؟
فأجابه عبد الكريم قاسم : أن لي شرفآ أعتز به ...
وألح السعدي في السؤال ثانية وثالثة .. وعبد الكريم قاسم ساكن لايجيب !!
وسأله أحمد حسن البكر : لماذا أرسلت على العقيد خالد مكي الهاشمي ؟
فأجابه قاسم : العقيد خالد ضابط جيد , وكنت أسمع عنه أن لديه تدخلات سياسية , وحاولت أن أبعده عن هذه الامور , ولانريد أن نخسره .
ثم أخذ عبد الكريم قاسم يتحدث عن نفسه وكانت الكلمات تخرج من فمه سريعة متلاحقة قائلأ :
(( أني خدمت الشعب .. نفذنا الثورة .. أنقذته من الاستعمار .. هيأنا له العيش الكريم .. أنا خدمت الفقراء .. بنيت لهم المساكن وفرت العيش الكريم لكل أنسان .. جئنا بهذا السلاح الذي تستعملونه الان .. دزوني للخارج آني افيدكم .. دزوني الى تركيا .. الى النمسا .. ))
ثم توجه أحمد حسن البكر بالسؤال الى المقدم الجنابي قائلآ :لماذا جلبتم هذا الشخص ؟ ( مشيرآ الى عبد الكريم قاسم ) .
أجاب قاسم الجنابي : أنا لم أعمل شيئا .. سوى خدمة بلادي
يتحدث عبد السلام عارف لاحقا عما دار بينه وبين عبد الكريم قاسم الى الصحفي المصري موسى صبري عن تلك اللحظات قائلا :
(( أخرجت من جيبي المصحف الكريم , نفس المصحف الذي أقسمنا عليه في ثورة 14 تموز 1958 , على أن نحفظ العهد ولانخون المبادئ , وان نعمل للوحدة والقومية العربية .
أمسكت المصحف الكريم , وقلت لعبد الكريم قاسم : للحقيقة والتاريخ , أسألك أمام المجلس الوطني وأمام أخواننا الضباط .. أسألك أن تقسم على هذا المصحف الكريم , هل قمت أنت بوضع خطة ثورة 14 تموز .
وصمت قاسم ولم يتكلم .. ورفعت المصحف ثانية وسألته هل تستطيع أن تقسم بهذا القرآن الكريم أنك كنت تعرف تفصيلات خطة 14 تموز ؟ وخرس قاسم ..
وسألته مرة آخرى .. أقسم أيضا بهذا القرآن الكريم أنك قد اعددت البيان الاول لثورة 14 تموز ؟ أو أن لديك النسخة الاصلية منه ؟؟ )) وعدت أسأله .. هل تقسم يا عبد الكريم بالقرآن الكريم أن ثورة 14 تموز لم تقم الا على الوحدة العربية ؟ .. ألم يكن الاتفاق يا عبد الكريم ؟؟ ألم يكن القسم بالقرآن الكريم على أن ثورة 14 تموز هدفها أن يعلن العراق الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة بالذات في ظرف شهرين فقط .. وأنك أنت حددت التاريخ .. أقسم يا عبد الكريم ..
وسكت قاسم ولم يتكلم ثم اقسمت على المصحف الكريم أمام الجميع .. أن هذا هو الاتفاق المقدس على خطة ثورة 14 تموز ..
وأقسمت أنني نظمت البيان الاول لثورة 14 تموز , وأن عبد الكريم قاسم بعد الاطلاع عليه , قدم كلمة وأخر أخرى ..وقلت لعبد الكريم قاسم : لك الحرية المطلقة أن ترد على كلامي وتصححه .. والله ينتقم مني وأنا صائم أذا كنت كاذبآ بالقرآن الكريم ..
ثم سألته : لقد آمرت بأعدام الشهيد رفعت الحاج سري , وكانت تهمته أنه وضع تليفونآ خاصآ مباشرآ بين وزارة الدفاع ومكتب الملحق العسكري في سفارة الجمهورية العربية المتحدة . وأن سفارة الجمهورية العربية أقامت جهازآ لاسلكيآ للاتصال بالقاهرة .. هل تنكر يا عبد الكريم .. هل تستطيع أن تدعي أن هذا التليفون لم يوضع بموافقتك وبأمرك ؟ .. هل تنكر أننا اتفقنا على أن يكون لعبد المجيد فريد مكتب في أركان وزارة الدفاع .. وأن جهاز اللاسلكي أقيم في السفارة بموافقتك وبأمرك ؟ .. فكيف تحكم بأعدام رفعت الحاج سري بهذه التهمة على آنها خيانة ؟؟, مع أنك أنت الذي آمرت بذلك ؟ كيف رضى ضميرك بهذا , وأنت تعلم أنه باطل ..
أستمر عبد الكريم قاسم صامتا ..
ثم قلت له لماذا كذبت على جمال عبد الناصر ؟ هل من الضمير أن تتهم جمال عبد الناصر بالخيانة ؟ .. أن تتهمه بأنه يتأمر عليك ؟ وأنت تعلم أن تهمتك كاذبة غير صحيحة .. وأنت تعلم أنه أوصاني خيرآ بك أنت بالذات .. وأنه كان يقول لي دائما : قاسم أخوك من زمن , ومن مصلحة الشعب الا تختلفا .. وأن تتحمله .. وأن تعامله أحسن معاملة .. ومع ذلك أنت تقول جمال عبد الناصر تآمر عليك , بينما الحقيقة هو أنت الذي تآمرت على جمال عبد الناصر
وقلت لعبد الكريم قاسم : لمذا اعتديت على رجال سفارة الجمهوريه العربية المتحدة ؟ لماذا لفقت لهم التهم .. هل كنت تتصور أن الجمهورية العربية المتحدة ستثور بهذا التصرف , فتسحب جميع رجالها من العراق وتغلق سفارتها في بغداد .. كان هذا قصدك ؟ ولكن الله موجود يا عبد الكريم .. أن الجمهورية العربية المتحدة لم تقطع العلاقات ابدآ مع العراق . لماذا كنت تعمل ضد العروبة والقومية العربية يا عبد الكريم ؟
وهنا تكلم عبد الكريم قاسم قائلا : ابدآ .. أنا كنت أحب القومية العربية وأنا عقدت مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية في بغداد . أنا كنت ادعوا للدول الاسلامية وللدول العربية ..
فقلت له : يؤسفني أن اقول لك هذا غير صحيح .. كانت دعوتك دائما ضد العروبة والوحدة وضد الاسلام , انت شعوبي .. وضد القومية العربية
ويستطرد عبد السلام عارف في حديثه للصحفي المصري بعد فترة من مقتل قاسم قائلا :
وهنا أراد عبد الكريم قاسم أن يدافع عن نفسه بالكلام عن سلوكه كحاكم في الداخل وجمع أطرافه المنهارة وخرجت الكلمات من فمه المرتعش ضعيفة خائرة . فأذا به يقول :
أنا كنت أعمل لمصلحة الفقير .. أنا نصير الفقراء . أني هدفي كان خدمة البلد ..
وقلت له : لا يا عبد الكريم . حكمك لم يكن حكم الفقراء . كان حكم الامراء حكم شقيقك _ الامير حامد ) والامراء الاخرين أقاربك ومحاسيبك .
وسكت عبد الكريم قاسم ولكنه بعد قليل تهته بالقول : أنا بنيت مساكن للفقراء . أني خدمت البلد ..
انتهى نص ماقاله عبد السلام للصحفي موسى صبري
ثم التفت عبد السلام عارف الى طه الشيخ احمد وقال له :
طه , انا وكريم خبز وملح , نزعل ونرضى وبيننا علاقة حميمية . ولكن مالذي بيني وبينك ؟ ولماذا أظهرت هذا الحقد علي ؟ ثم صفعه على وجهه بقوة قائلا له ( يهودي أبن اليهودي )
أما فاضل عباس المهداوي فكان جالسآ مقابل عبد الكريم قاسم والدماء تغطي وجهه وملابسه وبين فترة ينبري بالكلام قائلا والله . أني صار لي سنة ماشايف هذا ( وكان يشير الى عبد الكريم قاسم ) ثم يقول كل الصوج من هذا .
ثم التفت عبد السلام عارف الى فاضل عباس المهداوي قائلا له بتهكم ( ابو العباس , هاي شلون محكمة , محكمتك ؟)
فأجابه المهداوي أني شعليه .. أسألوه هذا , كلها من عنده
دام هذا الحوار والاستجواب مايقارب الربع ساعة وعندها صدر الامر بعصب عيون عبد الكريم قاسم واعوانه لتنفيذ حكم الاعدام بهم رميآ بالرصاص كما هو المتبع في تنفيذ حكم الاعدام
غير أن عبد الكريم قاسم أمتنع عن عصب عينيه , وفضل أن يلاقي الموت وجها لوجه !!
ففتح ملازم شاب كان يقف في تلك اللحظة أمام عبد الكريم قاسم النار عليه فصرعه في الحال .
وانهالت الاطلاقات النارية من الرشاشات السود التي كان يحملها الضباط في تلك اللحظات على الباقين .
وقبل لحظات من تنفيذ حكم الاعدام رميآ بالرصاص بعبد الكريم قاسم واعوانه الثلاثة , سحب المقدم الطيار حردان عبد الغفار التكريتي المقدم قاسم أمين الجنابي , مرافق عبد الكريم قاسم من على كرسيه , وانقذه من الاعدام , لانه كان من اصدقائه المقربين !!! ثم أدخله غرفة السيطرة ( الكونترول ) ثم جاء حازم جواد ليبلغه قرار المجلس الوطني بأعفائه من الاعدام , فشكره على ذلك وقال له (( هذا فضل منكم انقذتم حياتي )) ثم جاءه علي صالح السعدي وعبد الستار عبد اللطيف جالبين له فطورا وطعاما .
لي
عبد السلام عارف خارجا من الاذاعة بصحبة احمد حسن البكر والانقلابيين بعد تنفيذ الاعدام بقاسم
وكانت الساع تشير الى الواحدة والنصف من بعد ظهر يوم السبت 15 رمضان 1382 الموافق 9 شباط 1963 عندما انطلقت الرشاشات لتصرع عبد الكريم قاسم واعوانه الثلاثة في الاستوديو الكبير بدار الاذاعه بالصالحية ..
أما وصفي طاهر , الذي كان قد نقل من وزارة الدفاع بعد اصابته أصابة بالغة الخطورة , الى مبنى الاذاعة , فقد تقدم اليه أحد العرفاء وأطلق ع
ليه ( طلقة الرحمة ) فمات في تلك اللحظات..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق