2012-02-24

حقائق عن الملك الفرعوني ...أخناتـــون





 مجموعة العراق للاعلام IQGM :أخناتون Akhnaton هو ملك مصر الفرعون أَمنحوتب الرابع «آمون يرضى», ويُدعى في المصادر الكلاسيكيةأَمنوفيس. والده أمنحوتب الثالث (1417 -1379 ق.م), ووالدته تيي التي تحدَّرت من بيئة شعبية, على خلاف ما عُرف عن زوجات الفراعنة اللواتي تحدّرن من سلالات مميزة. أما مرضعته فهي تي, وزوجها قائد المركبات أيي, وخالته شقيقة الملكة الأم هي «موتنجمة» Moutnejmet.



وتتحدث المصادر عن زواجه من الأميرة نفرتيتي (الجميلة أتت) التي وصفتها المصادر بالجمال الرائع, وبأنها أميرة ميتانية من دون أنيقوم على ذلك دليل, فلا يُعرف شيء عن أصلها, ويحوم كثير من الغموض حول الروابطالأسرية للعائلة المالكة وحول أفراد الحاشية التي كانت تعيش في كنفها. ولكن منالحقائق المعروفة أن الزوجين الملكيين رُزقا بست بنات, منهن مريت آتون زوجة سمنخكارع وأخنسن باآتون زوجة توت عنخ آتون (توت عنخ آمون).



وقد تلقى الملك الشاب اسمه الملكي الذي حمله بعد تتويجه «نفرخبرورع» ولكنه بعد ست سنوات مناعتلائه العرش دعا نفسه «أَخناتون» وهو الاسم الذي اشتهر به.



حكمأخناتون ما يقرب من عقدين (1379-1362ق.م), ولكن بداية حكمه اختلطت بنهاية حكم أبيهالذي بلغت مصر في عهده ذروة مجدها في تاريخها القديم, وامتد نفوذها من الجزيرةالفراتية والأناضول وكريت وحوض بحر إِيجه إِلى النوبة.


التعاليم الدينية

في ظل هذه الظروف بدأ أمنحوتب الرابع وهو ولي للعهد, وفي حياة أبيه, ممارسة العبادة والشعائر الدينية المتوارثة عن آبائه, ولاسيما ما تعلّق بآمون - رع الإِله الرسمي للدولة. وأخذ في الوقت نفسه يعلن عن أفكار دينية جديدة تطورت حتىتحولت إِلى الهرطقة (البِدْعه) لخروجها على التعاليم التقليدية السائدة.


ولكن توجهاته الدينية المجددة ازدادت وضوحاً بعد أن خلف أباه علىالعرش. وفي السنة السادسة من حكمه (1374ق.م) أعلن الملك مبادىء ديانة جديدة تدعوإِلى عبادة إِله واحد هو «آتون», وقد مثّله بقرص الشمس المجنّح. ومن دون أن يقطعالملك صلاته بالتقاليد الموروثة عمل على إِبراز بعض المظاهر التي رآها أكثر واقعيةفي التعبير عن الإِله الذي أراده أن يكون أكثر قرباً من الناس جميعاً, وعالمياً, موجوداً في كل مكان, في ذلك العصر الذي فتحت فيه مصر أبوابها للالتقاء بمن حولها منجيرانها, وكان عليها من جرّاء ذلك أن تعيد النظر في أسس حياتها الداخلية والروحية.



لا تتضمن شعائر العبادة في ديانة أخناتون الجديدة أية إِجراءاتسرية, ولم تفرض على الناس شعائر معينة, ولكن لا يعرف كيف تم التحول عن العباداتالقديمة إِلى العبادة الجديدة. وتدل الشواهد الأثرية على أن أخناتون أقام عدداً منالمنشآت العمرانية, أبرزها معبد الكرنك الشهير( قرب مدينة الأقصر اليوم), ومدينةأخيت آتون, عاصمته الجديدة, التي يقوم تل العمارنة في صعيد مصر فوق أنقاضهاالقديمة.


ففي الموقع المعروف اليوم باسم الكرنك يقوم مجمَّع أثري يضم عدداً من المعابد التي كان أهمها بيت آمون المعبود المفضّل لدى الطبقة الحاكمة منالأسرة الثامنة عشرة, وتحيط به بيوت كبار الكهنة. في هذا المكان, وإِلى الشرق منهرم آمون أقام أخناتون معبداً لآتون, للشمس المشرقة.


وكان الهدف من ذلكواضحاً وهو تأسيس ديانة جديدة لتحل محل العبادة القديمة. وتوجه في تراتيل شعريةمؤثرة إِلى ربّه آتون, الذي رمز إِليه بقرص الشمس, وأعلن أن لا حياة لشيء مندونه.



وفي دعوته المجدَّدة يعلن الملك الكاهن أن بركات آتون ليستوقفاً على مصر وأهلها, وإِنما هي للمخلوقات الموجودة في كل مكان من البشر والحيوان, فيمنح آتون عند شروقه القوة للكائنات ويحييها حتى تستمر نعمة الحياة وعند غروبهتفتر الحياة في كل شيء. وعندما يفقد العالم نسمة الحياة, يدخل هذا العالم في خمود, في الوقت الذي تشحن فيه الشمس بطاقة جديدة حيث كانت تختفي عن الأنظار. وقد وجد عددمن الباحثين تشابهاً بين مضمون هذه الترانيم الأخناتونية وسفر المزامير الذي يعزىإِلى داود( القرن العاشر ق.م) ولاسيما المزمور 104.


وفي الديانةالأخناتونية أُدخلت تعديلات على النظريات المتعلقة بالموت والشعائر الجنائزية, وتقاليد الدفن, وقُدّمت تفسيرات نشورية جديدة للتقاليد الأوزيرية القديمة المتعلقةبالعالم الآخر.

أما آمون وهو القوة الخفية كما يدل على ذلك اسمه, فلم يعديمثل عند الملك شيئاً سوى ما هو عجيب. فالملك الذي اختار للإِله اسماً قديماًمعروفاً في نصوص الأهرام, من الألف الثالث ق.م هو آتون أي كوكب عين الشمس مصدر كلشيء, صار يدعى عند رعيته أخناتون أي «عبد آتون».


وآتون هذا الذي كان فيعصر الدولة الوسطى يتلقى الصورة الهوائية لملك عند رحيله إِلى عالم الأموات فإِنهذه الصورة تعود عند تحولها إِلى لحم مقدّس, إِلى الجسد الذي خرجتمنه.


واستخدم أخناتون الفنون التشكيلية لنشر تعاليمه, فعمل بنفسه علىتعليم الفنانين وتوجيههم في عصره لأنه كان يرى من الضروري ترجمة أفكاره الدينيةالجديدة في أشكال واقعية.


ففي المعبد الذي أقامه شرقي الكرنك لآتونعولجت صورة الملك وصور أسرته بواقعية مدهشة. وأبرزت في صورة أخناتون تشويهات مقصودةللجسم, ورسمت على الوجه علاماتٌ دالةٌ على الإستبطان عند الفنان الذي كان يهتم بأنيعكس في عمله تجربة ذاتية عميقة في معاينة ما يجري في الفكر في تلك المرحلة منتاريخ مصر, والتعبير عنه بجهد يهدف إِلى التعبير عن العواطف الداخلية للكائن لتصويرالشكل الحقيقي للجسم.


فأخناتون يوصي بأن كل شيء يجب أن يضحّى به من أجلالحقيقة التي هي مصدر التوازن والعدالة والحياة وهي عناصر صورة القداسة كما تعكسهامرآة الإِيمان.


العاصمة الجديدة

مرّت السنوات الأولى من حكم أمنحوتب الرابع, أخناتون, بوصفه مشاركاً للسلطة مع أبيه في العاصمة طيبة. ولكنه كانمصمماً على تحقيق إِصلاح ديني جذري, فترك العاصمة طيبة برضى أبيه الملك, وأسس علىمسافة تقرب من ثلاثمئة وخمسة وسبعين كيلو متراً إِلى الشمال من طيبة, بعيداً عن أرضآمون, مدينة جديدة سرعان ما أضحت عاصمة زاهرة هي أخيت آتون (تل العمارنة).


ونقل أخناتون بعدئذ مقره إِلى هذه المدينة الجديدة ليعيشفيها مع زوجه وجواريه وأفراد حاشيته من كبار الموظفين وبناته الست اللواتي أنجبتهننفرتيتي. ويبدو أن العائلة المالكة عاشت حياة سعيدة في أخيت آتون حتى انقسام الأسرة في أواخر سنوات حكمه.


ولم يقتصر التغيير في أسلوب حياة الفرعون على علاقته بأسرته ورعيته, بل ثمة تغيير في أسلوب الملك المصري تبرزه دراسة الرسائلالدبلوماسية في أرشيف تل العمارنة وهي تكشف عن أسلوب التخاطب والتراسل بين ملوكوأمراء كنعان وأمورو (فلسطين وسورية) من جهة والفرعون المصري من جهةأخرى.



وتدل دراسة عصر العمارنة برمته على تدهور النفوذ الفرعوني فيالمناطق التابعة بعد التراخي في فرض هيبة الملك التي تراجعت كثيراً عما كانت في عصرتحوتمس الثالث. فمبالغ الجزية المفروضة على البلاد لم تعد تصل إِلى خزانة فرعون. ولم يتحرك القصر الفرعوني كما يقتضي الأمر لمواجهة الوضع الدولي الناجم عن تراجعمصر أمام تقدم النفوذ الحثي.


ويبدو أن مؤامرة كبيرة أطرافها من الداخل: كهنة آمون في طيبة وقائد الجيش حورمحب من جهة, وأمراء كنعان وأمورو من جهة أخرى, قدتم تدبيرها للإطاحة بحكم العاهل الذي كان منصرفاً إِلى الإِصلاح الديني, من دون أنيكون محيطاً بما كان يجري حوله.



ومرّ زمن كان فيه الملك قابضاً بيدقوية على زمام الأمور في طيبة وفي القصر. وكان باستطاعته أن يأمر بتشييد معابد ضخمةلآتون في طيبة بجوار معابد آمون. ولكن بعد السنة الثانية عشرة من حكمه أخذ الضعفيدبُّ في بنية السلطة. ووقع الانشقاق في الأسرة الملكية نفسها. فتركت الملكةنفرتيتي القصر الملكي في وسط مدينة أخيت آتون مع المربية تي وزوجها الكاهن إِييوأربع من بناتها والأمير الصغير توت غنخ آتون واتخذت لنفسها مقراً في شماليالمدينة, في حين استقر الملك في قصر آخر في جنوبي العاصمة. ووثق صلته بأخيه الأصغر «سمنخ كارع» ليجعله صهره وزوجاً لابنته وشريكاً له في إِدارة الُملك, وبذلك دخل عصرالعمارنة مرحلة جديدة.


في هذه المرحلة تفاقمت حالة الملك النفسية, وازدادت تصرفاته اضطراباً, فغدت شبه عشوائية ووسّع جبهة المناهضين لحركته الدينيةعندما أمر بتحطيم تماثيل آمون وبمحو اسمه من النقوش, وألغى ألقابه وكل ما كان يطلقعليه من صفات تعبر عن الاعتقاد بحماية عرشه الملكي.


واتسع نطاق هذاالتغيير في الحياة الدينية في مصر القديمة حتى شمل صورة الصقر التي يرمز بها إِلىالربّة نخبت, وشُوَّه اسم مدينة آمون (طيبة) المكتوب بالهيروغليفية, وأصدر الملكأوامره بإِزالة تلك الصور الممقوتة حتى حدود النوبة, وإِحلال عبادة آتون محلها فيكل أنحاء البلاد.


وقد اصطدمت هذه السياسة الدينية التي قادها الملكبمعارضة قوية تزعمها كهنة المعابد الذين كانوا أكثر المتضررين من توحيد العبادة, وكذلك النبلاء الذين هدَّدت الإِصلاحات امتيازاتهم, والضباط والقادة العسكريونالذين تقلص نفوذهم في الدولة لقلة اهتمام الملك بالجيش ولعزوفه عن متابعة سياسةأسلافه التوسعية, فأصاب الوهن القدرات العسكرية للدولة وتدهورت هيبتها المعهودةداخلياً وخارجياً, وتوغلت دول الأناضول القوية في سورية.


وقد أشارتوثائق العمارنة ولاسيما الرسائل الدبلوماسية منها إِلى حقيقة الوضع في فلسطينوسورية في مواجهة التوسع الحثي. وكان لانصراف أخناتون عن قيادة جيوشه أو تحريكهابطريقة فعالة من أجل المحافظة على مواقع مصر في آسيا الغربية, والاكتفاء بالعمل علىنشر عقيدته الجديدة عواقب وخيمة كلّفت البلاد ثمناً باهظاً, إِضافة إِلى انهيارالعلاقات التجارية لانعدام الأمن والاستقرار, وانتهت أيام الملك في خضم أزمةمأساوية, وآلت الأمور بادىء الأمر إِلى وريثه سمنخ كارع الذي عمل على إِعادةالاتصال بمنفيس وطيبة, وأعاد مصر إِلى التعددية الدينية.


ودفن أخناتونفي عاصمته أخيت آتون. وقد تعرّف علماء الآثار على قبره, ولكنهم لم يعثروا إِلاّ علىحطام ناووسه الملكي الذي رمم ونقل إِلى متحف القاهرة. أما مومياؤه التي لم يعثرعليها فلا يعرف أحد ماذا حلّ بها. وقد يكون أصابها ما أصاب أخيت آتون (تل العمارنة) من التدمير على يدي القائد حورمحب الذي كان في مقدمة من عمل على إِنهاء عصرالعمارنة وعلى الإِطاحة بحكم أخناتون.



وقد عثر في وادي الملوك علىمومياء يظن أنها مومياؤه ولكن لا توجد دلائل قاطعة على ذلك. وبعد سمنخ كارع الذيحكم مدة قصيرة اعتلى العرش توت عنخ آتون الذي اضطر إِلى تبديل اسمه إِلى توت عنخآمون مؤذناً بإِعادة الاحترام لآمون ولكهنة طيبة الأقوياء. وهكذا انهارت هذهالمحاولة المبكرة لقلب الوجدان الديني التقليدي في مصر القديمة ولإِحلال وحدانيةالإِله محل التعددية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق