مجموعة العراق للاعلام IQGM -
بوريس سنوفسكي روسي من طراز خاص جداً، أمضى أكثر من أربعين عاماً في
منطقة الشرق الأوسط كصحافي عمل في مكاتب وكالة (تاس) السوفياتية في أواخر
الستينات والسبعينات في عدد من عواصم المنطقة، وكدبلوماسي عمل في عديد من
سفارات الاتحاد السوفيتي السابق في المنطقة، كرجل مهمات غامض ومتنقل بين
العواصم.
يتحدث العربية بطلاقة، ويعرف تفاصيل عن معادلات اللعبة السياسية في أي
دولة عربية أكثر من بعض المختصين والدارسين العرب وأمضى مؤخراً فترة طويلة
في بغداد وتجول في العراق، وزار الكويت ومصر والسعودية وقطر والعديد من
عواصم المنطقة، والتقى في جولته الاخيرة بأصدقائه القدامى ممن أصبحوا في
المواقع المتقدمة.
إنه رجل متخصص ورجل مهمات، وهو قريب جداً من موقع القرار في الكرملين،
وفوق ذلك فهو يشعر بانتماء غير عادي للعالم العربي الذي أصبح جزءاً أساسياً
من حياته اليومية بفعل الارتباط الوثيق بينه وبين مهماته لدى العرب.
يقول سنوفسكي أنه التقى صدام حسين مرات عدة، والتقى طارق عزيز ولطيف
نصيف جاسم وزير الإعلام العراقي السابق طوال فترة خدمته في المنطقة، كما
التقى طه رمضان والعديد العديد من جنرالات الجيش العراقي، معتبراً نفسه
واحداً من أكثر العارفين بطبيعة التفكير لدى القيادة العراقية.
هنا حوار طويل طويل معه امتد لساعات حول الأزمة العراقية، وتم فيه المرور على معظم القضايا المطروحة... فإلى التفاصيل:
هل تابعت أو قرأت عن كثب تفاصيل معينة عن حياة صدام حسين الاجتماعية والنساء اللاتي ارتبط بهن؟
- تزوج صدام حسين في بداية شبابه من ابنة خاله ساجدة خير الله طلفاح،
ويعرف العراقيون جيدا أن علاقته الزوجية مع ابنة خاله لم تكن على ما يرام
بل كانت علاقة غير مستقرة بل متوترة باستمرار الأمر الذي جعلها دائما في
مواجهة الأسئلة وحديث الصالونات الاجتماعية والسياسية أحيانا ليس في العراق
وحده بل في العديد من الدول المهتمة بالشأن العراقي.
والمتابعون لحركة الرئيس صدام حسين السياسية والاجتماعية منذ أن أصبح
نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة العراقي في تموز / يوليو 1968وحتى الآن،
يرون غياب زوجته ساجدة عن مجمل الأنشطة الرسمية وغير الرسمية، إلى درجة
أنها لا تقوم مثل غيرها من زوجات الرؤساء بأي دور أو وظيفة اجتماعية في
البلاد، مما جعل المراقبين يعتقدون أن وراء غياب أو تغييب ساجدة خير الله
قراراً رئاسياً من صدام نفسه.
لكن العارفين بدقائق الأمور في العلاقات الأسرية بين صدام وزوجته لا
يستغربون مثل هذا التصرف الذي تعود جذوره إلى ما قبل استلام صدام لأي منصب
حكومي، أي لتلك المدة التي كان يعيش فيها تحت كنف وحماية خاله- الضابط
المتقاعد من الجيش العراقي - خير الله طلفاح، وبالتأكيد فقد تكونت نظرة
خاصة عند ساجدة- ابنة الخال المتنفذ - تجاه ابن عمتها الذي أصبح فيما بعد
زوجها، ذلك الفلاح الفقير المعدم والمطارد من الأجهزة الأمنية في حينه.
واقع اجتماعي مختلف
ظلت ساجدة خير الله - الموظفة الحكومية وابنة الضابط المتقاعد والمنتمية
إلى واقع اجتماعي مختلف- تنظر إلى زوجها بعين أخرى، خاصة بعد أن أصبحت هي
المعنية بتدبير شؤون الأسرة والصرف عليها، بعد اعتقال زوجها واختفائه عن
أنظار الأجهزة الأمنية بعد تشرين الثاني نوفمبر 1963 لكن الأيام أرادت أن
تسير الأمور بعكس الاتجاه، ليصبح صدام حسين بين ليلة وضحاها في شهر تموز /
يوليو من عام 1968في صورة الحدث، ويظهر وكأنه الرجل الأول في العراق،
لتنعكس الآية في العلاقة مع زوجته، وكأنه بهذا أراد أن يرد الاعتبار النفسي
والاجتماعي لذاته، إذن لم يكن الزواج بين صدام حسين وزوجته قائماً على
أساس التكافؤ الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي، ولم يكن هناك انسجام واضح
في العلاقة بينهما، كان مجرد زواج تقليدي ولقد استمرت ساجدة خير الله تعمل
في وظيفتها الحكومية- مديرة لإحدى مدارس البنات الثانوية في بغداد- حتى
تمت إحالتها للتقاعد قبل عدة سنوات، ولم تمنعها وظيفة زوجها الذي كان
نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة ومن ثم رئيساً للحزب والدولة في العراق، لم
تمنعها من الاستمرار في وظيفتها، التي وجدت فيها ما تلهي به نفسها نتيجة
هذا التهميش لها والعمل على تغييبها عن الحياة العامة في العراق كونها
عقيلة الرئيس وسيدة البلاد الأولى.
طلاق.. مؤجل
• يتحدث بعض المقربين من صدام عن أنه فكر مرة بالانفصال عن زوجته... فهل هذا صحيح؟
- ربما فكر صدّام حسين أكثر من مرة في طلاق زوجته ساجدة خير الله لأكثر
من سبب نفسي واجتماعي، لكن العارفين بأسرار الحياة السياسية والاجتماعية في
العراق يؤكدون أن عدم إقدام صدّام على مثل هذه الخطوة يعود إلى عدة أسباب:
أولاً: كان الرجل مهتماً ببناء مستقبله السياسي، ممهداً الطريق لنفسه
ليصبح الرجل الأول في العراق عن طريق الإطاحة بكل خصومه في الحزب والدولة،
وهو من أجل هذا لم يذهب إلى فتح معركة أخرى داخل بيته الخاص.
ثانياً: نتيجة النصائح التي قدّمها له مستشاروه وجد صدام حسين أنه من
غير اللائق لسمعته ومستقبله السياسي أن يُقال عنه أنه طلّق زوجته التي وقفت
إلى جانبه فقيراً بعد أن أصبح متنفذاً، إضافة إلى ما يمكن أن يجلبه له ذلك
من مشكلة اجتماعية، يظل الرئيس في غنى عنها.
ثالثاً: كانت ساجدة خير الله حتى إلى نهاية الثمانينات تضرب بسيف أسرتها
الصغيرة، التي كان صدام حسين يحسب لها حساباً كبيراً، فخاله الضابط
المتقاعد خير الله طلفاح والد زوجته كان ما يزال على قيد الحياة، وكان ما
زال يملك من الأسباب ما يجعله يقف في وجه ابن أخته الذي أصبح رئيساً، وكذلك
كان شقيقها نائب القائد العام وزير الدفاع في حينه الفريق الأول الركن
عدنان خير الله ما يزال على قيد الحياة، وبما يملك من تأثير شخصي واجتماعي
وسياسي وعسكري، ليس في داخل حدود القصر فقط، بل على امتداد جغرافية العراق
أيضاً، الأمر الذي أربك صدام حسين، ومنعه من اتخاذ أي موقف من هذا القبيل.
كل هذه الموانع لم تذهب إلى فرض الانسجام في حياة الرئيس وزوجته التي
ظلت باردة، وظلت مدار حديث الأوساط السياسية والاجتماعية في البلاد.
قرينة الرئيس
وإذا كانت زوجات الرؤساء في الكثير من دول العالم يتمتعن بلقب "السيدة
الأولى" فإن مثل هذا اللقب حُرمت منه ساجدة خير الله، ولم تذهب نتيجة لذلك
لرعاية الأنشطة الاجتماعية والإنسانية والثقافية في العراق، ويعرف
المتابعون لحركة الإعلام العراقي أن ظهور "أم عدي" على شاشة التلفزيون
العراقي لم يحدث إلاّ لمرات قليلة جداً، كانت في معظمها في غير رفقة
الرئيس، وكان الوصف الذي يطلق عليها "قرينة السيد الرئيس".. الأمر الذي ترك
في نفسها إحباطات متتالية من تهميش دورها وإلغاء شخصيتها والذي لم يكن
ليحدث لولا رغبة صدام حسين في ذلك وقراره الواضح في هذا الاتجاه وهو ما
فهمته ساجدة جيداً وتعاملت بنتائجه على هذا الأساس.
ثم إن هناك سبباً مضافاً جعل من موضوع الطلاق بين الرئيس وزوجته خياراً
خارج إطار التداول، وهو وجود أسرة كبيرة نسبياً للرئيس، إذ رُزق صدام حسين
من زوجته ساجدة خير الله طلفاح بولدين هما عدي وقصي وبثلاث بنات هن: رغد،
رنا وحلا، وقد بدأ الأطفال يكبرون ويحتلون أدوارهم في الحياة العراقية
العامة، الأمر الذي صار معه الطلاق موضوعاً يعود بالضرر الاجتماعي والنفسي
على الأطفال الذين لم يعودوا كذلك الآن.
ويعرف المقربون من إدارة المراسم في القصر الجمهوري ببغداد أن القصر كان
يعتذر باستمرار عن استقبال أي ضيف للعراق برفقة زوجته، وإلاّ فإن الزوجة
ستكون خارج الاحتفاء بالمراسيم البروتوكولية المتعارف عليها بين الدول،
نتيجة عدم رغبة الرئيس صدام حسين في الظهور الرسمي برفقة زوجته، أو عدم
رغبة الزوجة بممارسة مثل هذا الدور، ولذلك لم يكن غريباً أن يذهب الرئيس
صدام حسين إلى اصطحاب سيدة أخرى معه لاستقبال زوجة أي ضيف يزور العراق، ولم
يكن يستمع إلى رغبات صائغي البروتوكول العراقي، وكانت السيدة منال يونس
عبد الرزاق الألوسي رئيسة الاتحاد العام لنساء العراق والمقرّبة من الرئيس
صدام حسين، غالباً ما ترافقه في مراسم الاستقبال الرسمي في المطار، فيما
تظل أنشطة الزوجة في الظل بعيداً عن المتابعات الإعلامية الرسمية.
سيدة أعمال
• وهل أدى ذلك إلى غياب ساجدة عن الواجهة؟
- العراقيون الذين يعرفون أسباب غياب "السيدة الأولى" عن الواجهة
الإعلامية الرسمية، يعرفون في الوقت نفسه، أنها لم تكن غائبة تماماً عن
مشهد الحياة العامة في العراق، فهي سيدة لها حركتها المعروفة في مجال
الاستثمار والتجارة المحلية والخارجية، حيث أكد عدد من التجار العراقيين أن
السيدة ساجدة خير الله ذهبت إلى شراء "سوق الثلاثاء" وهو من الأسواق
المركزية الكبيرة والمهمة والذي يقع في حي زيونة جنوبي بغداد، عندما قررت
الحكومة بيع بعض ممتلكاتها للقطاع الخاص، إضافة لما يعرفه العراقيون عن
نشاطها التجاري الآخر خاصة في سنوات الحصار، لما تملكه من نفوذ يساعدها في
تجاوز عقبات الروتين في القوانين العراقية.
وإذا كانت علاقة ساجدة خير الله ليست على ما يرام مع زوجها الرئيس، فإن
علاقتها قوية ومتماسكة مع أبنائها، وتشكّل بالنسبة لولديها عدي وقصي دعماً
ومرجعية، إضافة لعلاقتها المتميزة مع كريماتها رغد ورنا وحلا خاصة بعد طلاق
الأولى والثانية من زوجيهما حسين وصدام كامل وما رافق ذلك من أحداث دموية
في العراق أدت إلى مقتل زوجيهما.
زواج سري
وإذا كان الشارع العراقي يتناقل بكثير من الحذر أخبار العلاقات المتوترة
بين الرئيس وزوجته، فإنه يتناقل في الوقت نفسه، وبالحذر نفسه أيضاً، أخبار
علاقات الرئيس النسائية، خاصة تلك التي وصلت منها إلى مرحلة الزواج، حيث
أكد العارفون ببواطن الأمور في العراق أن الرئيس صدام حسين أُعجب بسيدة
عراقية شابة، فيها من مواصفات الجمال ما جعله يفكر جدياً بالزواج منها، لكن
هذه السيدة الطويلة الشقراء والتي تتمتع بمواصفات سيدات المجتمع وطبقاته
الراقية، كانت متزوجة من شخص آخر، هو السيد نور الدين صافي حمادي، الذي كان
يشغل منصب المدير العام للخطوط الجوية العراقية، وقد استفادت هذه السيدة
من وظيفة زوجها (السابق) وعلاقاته الاجتماعية الواسعة، حيث فتحت أمامها
أبواباً كثيرة، كانت ستظل مغلقة أمام غيرها من النساء، ولا يستبعد
العراقيون أن هذه السيدة بعد أن لمست الإعجاب من الرئيس دفعته للتعبير عن
هذا الإعجاب بطرق مختلفة، حين حلمت أن تكون "السيدة الأولى" أو "عقيلة
السيد الرئيس".
ولأن صدام حسين لا يريد أن يبني علاقة سرية أو محرّمة مع امرأة متزوجة،
فكان الحل الذي لا بد منه، أن يطلب من نور الدين صافي حمادي زوج هذه السيدة
طلاقها، ليتسنى للرئيس أن يتزوج منها "على سنة الله ورسوله"، وهكذا كان،
فقد أذعن مدير عام الخطوط الجوية العراقية إلى الطلب الرئاسي وقام بطلاق
زوجته التي أحبها، وهو الذي لم يكن يستطيع أن يرفض مثل هذا الطلب حفاظاً
على حياته على الأقل، لتصبح السيدة سميرة الشاهبندر مطلقة السيد نور الدين
صافي حمادي زوجة للرئيس.
وفي الوقت الذي لم يقبل فيه صدام حسين إقامة علاقة سرية وغير شرعية مع
سيدة متزوجة، فإنه ذهب للزواج الشرعي منها، مع إبقاء مثل هذا الزواج سرياً،
حيث لم يتم إعلان ذلك في وسائل الإعلام العراقية أو غيرها، ولم يذهب
الرئيس للظهور مع زوجته الثانية في أية مناسبة رسمية أو غير رسمية، الأمر
الذي ظل تداوله مقتصراً على أحاديث الصالونات السياسية والاجتماعية في
العراق، قبل أن ينتقل إلى الشارع بما يعنيه ذلك من احتمالية تحميل الحادث
فوق ما يحتمل نتيجة الخيال الشعبي المتمرّس في صناعة الأحداث وتسويق
الشائعات.
وإذا كان زواج الرئيس صدام حسين من السيدة سميرة الشاهبندر ظل سراً على
الشعب العراقي، فإنه كان واضحاً ومكشوفاً أمام العائلة والمقربين، وبهذا
فإن السيدة ساجدة خير الله قد تقبلّت وجود ضرّة لها، أخذت منها "زوجها
الرئيس" وجانباً واسعاً من اهتمامه، وكذلك صار لأبناء الرئيس زوجة أب،
تقاسمهم اهتمام الأب وحبه.
ابن ثالث
• وهل تقبلت السيدة ساجدة الامر بسهولة ؟
- المقربون من أوساط القصر الجمهوري في العراق أكدوا أن "أم عدي" لم تكن
لتستوعب أمر زواج الرئيس من امرأة ثانية بسهولة، فهي أولاً وأخيراً، امرأة
وزوجة وربّة أسرة، لا تحب مثل كل نساء الدنيا، أن تشاركها امرأة أخرى في
زوجها، وأكد هؤلاء المقربون أنفسهم أن السيدة سميرة لم تذهب إلى استفزاز
"أم عدي" وظلت إلى سنوات طويلة تتهرب من لقائها ومواجهتها خوفاً من وقوع
إشكالات قد تنعكس سلباً على حياة الرئيس الخاصة، مكتفية هذه السيدة "سميرة"
بحب الرئيس واهتمامه بها، على اعتبار أن زواجه منها جاء نتيجة اختيار واعٍ
من رجل يقود العراق كله، لذلك فإن هذا الحب والاهتمام كانا من أسباب
موافقتها على إبقاء مثل هذا الزواج سراً على الشعب، الذي بات يعرف الكثير
من الأسرار التي تدور بين جدران القصر، فيما يؤكدون كذلك أن الرئيس صدام
حسين رُزق من زوجته الثانية بمولود ذكر أسمياه "محمد" ليكون الأخ الثالث
لولديه من ساجدة، عدي وقصي، وصارت السيدة سميرة "تصول وتجول" في حياة
الرئيس، خاصة بعد أن استسلمت زوجته الأولى ساجدة خير الله وأسرته للأمر
الواقع، وبعد ما لمسوه من تمسك الرئيس بخياره الشخصي الذي يحدد مسار حياته
الأسرية للسنوات المقبلة.
أزمة القصور الرئاسية
السيدة ساجدة خير الله التي أقنعتها السنوات بضرورة تقبّل وجود ضرتها، لم
تذهب إلى الاستسلام، بل ذهبت بكل ما أوتيت من قوة ومن دعم أبنائها وأفراد
الأسرة إلى تعزيز مكانتها الاجتماعية، حتى لو تم ذلك بعيداً عن الأضواء،
وقد تردد اسمها كثيراً في أزمة وقعت بين العراق والأمم المتحدة، وأطلق
عليها في حينه، أزمة القصور الرئاسية، حيث عرف العراقيون بصورة جلية أن تلك
القصور الضخمة التي أقيمت على شاطئ نهر دجلة في جانب الأعظمية في بغداد،
هي قصور تعود ملكيتها للسيدة ساجدة خير الله، الأمر الذي فسّره العراقيون
على أنه صحوة متأخرة من "سيدة العراق الأولى" التي ذهبت إلى المطالبة
باستحقاقاتها، بعد أن رأت الرئيس يبني عدة قصور في أماكن متفرقة من العراق
لإقامة زوجته الثانية سميرة الشاهبندر.
• كيف كانت ردة فعل العراقيين عندما اتضح لهم أن للرئيس هواية بناء القصور؟
- الأسئلة التي طرحها العراقيون عن مثل هذه القصور هي الأسئلة نفسها
التي طرحها الشارع إجمالاً على الكثير من الممارسات التي بدت نشازاً في زمن
الحصار، وكان يمكن أن تمر بهدوء لو كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي
مختلفاً في بلاد يعيش أهلها تحت وطأة الحصار، تقول الأسئلة.. من يتحمل ثمن
بناء هذه القصور الفخمة؟ ولماذا تم اختيارها على شاطئ دجلة وفي حي من أقدم
أحياء بغداد وأكثرها اكتظاظاً بالسكان؟ ولماذا هذه الأسوار العالية التي
حجبت منظر النهر عن عيون الناس وحرمتهم من الجلوس على شاطئه؟ ومتى كان شاطئ
النهر ملكاً لأحد يتصرف به كما يشاء؟ .. أسئلة كثيرة طرحها ويطرحها الشارع
العراقي، لكنه لا يطرحها بحدة أو بانفعال، خوفا من الأجهزة الأمنية التي
دججها صدام بكل أدوات العنف والقمع.
قصي.. وحلا
• هل يمكن القول أن صدام في هذه المرحلة تجاوز حرجاً في حياته الشخصية؟
- يمكن القول هنا أن صدام حسين تجاوز المرحلة الحرجة في حياته الشخصية،
وربما تكون الظروف التي مرّت بها المنطقة بشكل عام، والعراق بشكل خاص هي
التي خدمته في الجانب الشخصي على الأقل، فوجود الأسرة كلها كان مهدداً،
مثلما هو حتى اليوم وموضوع بقاء صدام على رأس السلطة في العراق مطروحاً في
أكثر من عاصمة عربية وأجنبية.
وللحقيقة فإن زواج الرئيس العراقي من سيدة ثانية لم يذهب به إلى قطع حبال
علاقته الأسرية مع زوجته الأولى ساجدة خير الله التي تعيش الآن وحيدة في
قصرها بعد أن تزوج كل أبنائها وبناتها، الذين انتقلوا للحياة في قصور أخرى
بعيداً عن أمهم، وإن كان بيت الأم أو "قصرها" ما يزال حتى الآن يشكّل
مرجعية اجتماعية للأبناء والبنات على حد سواء، هؤلاء - الأبناء والبنات -
الذين كان لهم الدور الكبير في احتواء أسباب الخلاف بين الأبوين، وكانوا
باستمرار سبباً في تقريب وتقوية أسباب المودّة بينهما، ويلعب الابن قصي
والابنة حلا، تحديداً الدور الرئيس والمباشر في هذه القضية، نتيجة قربهما
الواضح من قلب والدهما واهتمامه الشخصي والمباشر بهما على وجه الخصوص.
• وكيف تقرأ مثل هذه الخطوات في حياة صدام حسين؟
- علماء الاجتماع من جانبهم يرون في شخصية الرئيس صدام حسين الكثير من
الطاقات الكامنة، ولذلك فإنهم يعتقدون أن قراره بالزواج من سيدة أخرى كان
خطوة طبيعية في إطار تفسير الكثير من ممارساته الشخصية، وان الرئيس صدام
حسين لو لم يكن رئيساً، وكان مجرد رجل عادي لكان ذهب إلى الزواج بأكثر من
سيدة، أسوة بالعديد من الأشخاص الذين يحملون شيئاً من مواصفاته، وعندها لن
يواجه مثل هذا الرجل حجم الحرج الذي يمكن أن يواجه رئيس البلاد.
ضرة رغم أنفها
• وكيف تعاملت الزوجة الجديدة مع الواقع الجديد؟
- سميرة الشاهبندر صارت اليوم سيدة القصر التي لا ترد لها كلمة،
واستطاعت بصبرها وذكائها وثقافتها وجمالها وحب الرئيس لها أن تكون واحدة من
الشخصيات الأساسية في الحياة الاجتماعية - وربما السياسية - في القصر
الجمهوري ببغداد، المشحونة بكل أنواع القلق والتوتر النفسي والاجتماعي بسبب
ظروف الحصار وإحتمالات الحرب، في الوقت الذي ما تزال فيه ساجدة خير الله
مقتنعة بمكتسبات ومزايا الزوجة الأولى، أم الأبناء المتنفذين في السلطة
اليوم، بعيدة عن الأضواء، مثلما قبلت لنفسها أن تكون على مدى الثلاثين
عاماً الماضية، لكن الشيء الجديد والمثير في حياتها الآن أنها قبلت - ربما
رغماً عنها - أن تكون ضرّة، وأن تستكين إلى القبول بوجود امرأة أخرى في
حياة الرئيس أكثر منها شباباً وجمالاً، وأكثر منها اهتماماً بالأيام
المقبلة في حياة الرئيس بشكل خاص.
• ولكن المعارضة تتحدث عن زوجتين أخريين، الأولى من عامة الشعب واسمها
نضال... وأخرى شقراء في الثالثة والعشرين واسمها "يمان علي الحواش" وهي
ابنة لأحد الوزراء العراقيين؟
- عن أي معارضة تتحدث... فأطياف المعارضة العراقية كثيرة، أنا أعتقد أن
الرئيس العراقي سعيد بمعارضته وأظنه حريص على استمرارها على ما هي عليه،
فالبعض من هؤلاء يحرص بممارساته السياسية اليومية على أن يوسع من دائرة
خلافه مع الشعب العراقي أكثر من قيام النظام بذلك.
أما حديثهم عن زوجتين أخريين لصدام حسين فأظنه يدخل في باب "يُحكى أن"..
فصدام حسين رجل دؤوب على العمل وأظنه أكثر مخلوق على الأرض يحمل تحديات
جسام على كتفيه، وفي الوقت الذي سيصبح عمره بعد سنوات قليلة سبعين عاماً
فإن معارضته تتعامل معه عبر الحديث عن نسائياته وكأنه في الأربعين أو
الخمسين من عمره.
أياً كان الأمر فهو في نهاية الأمر رجل، وكل الرجال ميّالون بطبعهم إلى
النصف الآخر لكن تصور معي رجلاً مثل صدام حسين يوشك على السبعين ويوشك على
التدحرج من على كرسيه، ويواجه تحديات على المستوى الدولي والإقليمي، وله
ثارات عشائرية وطائفية وقبلية وعائلية، ويجهد في الوقت نفسه للبقاء في
السلطة مثلما يجهد للخروج من الحصار وتحمل تبعات الديون والتعويضات
والعقوبات جراء غزوه للكويت، في عام 90، تصور رجلاً بكل هذه المزايا
والتحديات... هل يملك الوقت لتوسيع دائرة زيجاته أو علاقاته النسائية..
ربما يقول البعض... نعم، لكني اعتقد أن الأمر ليس على هذه الشاكلة، وحتى لو
كان الأمر صحيحاً فلا علاقة له البتة بموقفه أو بوضعه السياسي، ولا أظن أن
أمراً من هذا القبيل قد يسيء له سياسياً.
وفي أميركا مثلاً... وهي بلد الحضارة والتقنية والعولمة والديمقراطية
اشتعلت فضيحة لوينسكي في وجه كلينتون وظن البعض في ضوء التفاصيل الحميمة
التي خرجت عن هذه الفضيحة أن كلينتون على وشك أن يطاح به، لكن اتضح فيما
بعد أن هذه الفضيحة زادت من شعبيته عند الأميركيين.
والبعض في العراق ممن لا يستسيغون شخصية صدام حسين، وهم إما أكاديميون
أو صحفيون أو ربما سياسيون في المواقع الأولى من الحزب والدولة يعتقدون أنه
نوع من الرجال الذين يفتقدون إلى المرونة رغم براغماتيته، ويفتقد إلى
المعاصرة رغم استعداده للحديث في كل شيء، ويفتقد إلى الجاذبية رغم حرصه
الشديد على أناقته، ويفتقد إلى الإشعاعية أو الكاريزما رغم كل الاهتمام
الذي يحيطه به الإعلام العراقي ورغم كونه الآن في أوسع دائرة إضاءة إعلامية
عرفتها البشرية... نظراً لجسامة الحدث، وفوق ذلك كله فهو طراز من الرجال
قد يُكسر لكنه لا ينثني.
وأنا أعتقد أن مواصفات من هذا القبيل يصعب أن تجتمع في رجل ميال إلى
النساء، ربما يكون ميالاً إلى السلطة والتفرد أو للمال أو للنفوذ، أما ميله
للنساء فيدخل في باب الضرورات من أجل استعداد أكبر للقيام بمهامه ومواجهة
تحدياته، وأنا شخصياً لا أحسده على ميوله.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق