مجموعة العراق للاعلام IQGM - المسيحيون الشرقيون، في رأي كثيرين، ايقونة ثمينة في عقد الشرق الاسلامي، وهم درة من درر الشرق العربي، ولا أذكر عبر التاريخ أن مسيحيي الشرق تآمروا على أوطانهم، بل ان التاريخ يحدثنا عن عيسى العوام ورفاقه المسيحيين الذين حاربوا مع الناصر صلاح الدين ضد ابناء دينهم من الصليبيين الغزاة.. والتاريخ يقول لنا ان غساسنة الشام المسيحيين سهلوا دخول الجيوش الاسلامية وتحالفوا مع ابناء قوميتهم العرب في معركة اليرموك.
هذا عن التاريخ البعيد، أما التاريخ الحديث فيقول ان اكثر القوميين ولعا بالشرق العربي كانوا من ابنائه المسيحيين، الذين كانوا شوفينيين في حبهم للشرق، فمنهم نهض شوفيني في حب سورية هو أنطون سعادة فأومض الحزب السوري القومي، ومنهم نهض مولع آخر بالفكر العروبي هو ميشيل عفلق فأطلق حزب البعث.. ومنهم من انخرط بالثورة الفلسطينية، فكان نايف حواتمة وجورج حبش، ومنهم كان ادوارد سعيد.
هل لحب ادوارد سعيد لفلسطين من نظير؟ وهل ينسى السوريون فارس الخوري رئيس وزراء سورية ووطنيته التي علمت المسلمين والمسيحيين معنى الوطنية، في وقفته الشهيرة في الجامع الأموي ضد الفرنسيين.
ولعل أول عملية استشهادية سمعنا بها موثقة هي عملية قام بها ضابط مسيحي سوري اسمه جول جمال دفاعا عن بورسعيد المصرية في عهد عبد الناصر أيام العدوان الثلاثي، حين فجر نفسه بزورقه في المدمرة الفرنسية جان دارك.. جول جمال يعرفه كل السوريين ويدرسون بطولته لأبنائهم وتحمل مدارس وشوارع كثيرة اسمه كبطل.
وبالمقابل لا أذكر أن المسلمين رعوا حركات عنف ضد مسيحيي الشرق، بل ان العرب المسلمين كرهوا سلوك العثمانيين مع المسيحيين الارمن (الذي كان دافعه سياسيا بالدرجة الاولى، بسبب الصراع مع روسيا وليس دينيا) وقد استقبلوهم وآووهـــــم ومنحوهم حق المواطنة الكامل بغير حساب، وحاول الاسرائيلـــيون في غير مرة الزج باسم المسيحيين العرب الى جانبها كحلفاء لها واعــداء للمسلمين، وكانت ذروة محاولاتهم عندما اتهم شارون المسيحيين بارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا بقوله :"ان ما حدث هو أن مسيحيين عربا قتلوا مسلمين عربا".. لكن المسلمين العرب كانوا يميزون بين العملاء والوطنيين المسيحيين فلم يعيروا اتهاماته وتحريضه انتباها.
ما أدهشني مؤخرا ما سمعته من أحد أصدقائي المسيحيين العراقيين الآشوريين، الذين يعيشون في لندن عن كيفية العلاقة الودية التي نشأت بين الرئيس احمد حسن البكر والمسيحيين العراقيين.. القصة التي رواها لي لم اجدها موثقة، لأنها كما قال، حديث شفهي نقله عن مار يوسف رئيس الكنيسة الآشورية بحضور عدد من وجهاء الطائفة الآشورية.. يروي لي صديقي الآشوري وهو في الثمانين من عمره كيف ان الرئيس العراقي البكر كان في اجتماع في القصر الجمهوري ببغداد مع رئيس الكنيسة الآشورية مار يوسف، وبينما هما في الاجتماع نهض البكر ثم ذهب بنفسه وأغلق باب غرفة الاجتماع، والتفت الى مار يوسف وخاطبه قائلا: اريد ان اطلب منك طلبا فلا تردني به.
واحس مار يوسف بالارتباك عندما اقترب منه البكر وفاجأه وقال له: ايها الأب.. باركني وصلي علي، أسقط في يد مار يوسف وقال جزعا: هل تريد أن يصدر بعضهم حكما باعدامي يا سيادة الرئيس؟ فقال له البكر مبتسما:ومن يصدر عليك حكما أو يقتلك وأنا رئيس العراق؟ هيا افعل ما اقول لك باركني وصلي علي.. وأمام الحاح الرئيس لم يجد مار يوسف مهربا، وقام بطقوس الصلاة والبركة، والبكر راكع في وضعية من يتلقى بركة القديس.
وفي مناسبة أخرى دعا البكر رئيس الطائفة الآشورية في الولايات المتحدة الامريكية مار شمعون الى بغداد، وفي زيارة لهما الى تكريت لفت الرئيس البكر انتباه مار شمعون الى حقيقة أن معظم القبور القديمة في تكريت هي قبور مسيحية، فأكد مار شمعون معرفته بهذه الحقيقة، وهنا مازحه الرئيس البكر وقال له :الذي لا تعرفه هو اننا، نحن مسلمي تكريت، ترجع أصولنا الى المسيحيين الذين خافوا من ضغط المسلمين فأعلنوا اسلامهم، ولذلك كانت معظم القبور قبل ذلك للمسيحيين.. ان صحت الرواية فان في سلــــوك الرئيس البكر عدة مغاز منها ان التعصب الديني كان لا يحتل مكانــــا في التربية العراقية، وان قدرا من التسامح والانسجام كان متاحا بين المسلمين والمسيحيين، بل ان تماهيات بين الديانتين كانت محط اعتراف الطرفين.
ومن ناحية أخرى كان الرئيس يطمئن مواطنيه الآشوريين العراقيين ويشعرهم بعمق انتمائهم لوطنهم.. فالرئيس بنفسه يعتبر قداسهم وصلواتهم مباركة، وكما أنه رئيس لكل العراقيين فان ولاءه ورعايته لكل العراقيين من دون استثناء.. ففيه من المسيحية بقدر ما فيه من الاسلام، وفيه من الشيعة بقدر ما فيه من السنة... بعد هذا العنف الذي يطال المسيحيين العرب من العراق حتى مصر لا بد من الاعتراف بان هذه الاحداث ليست من طبيعة المنطقة ولا سكانها، وأن كل ما يحدث الآن حدث مباشرة بعد التغلغل الامريكي والاسرائيلي في العراق ومصر، وأن أطرافا كثيرة تلعب الورقة المسيحية لغايات في نفسها، أهم اللاعبين هو اسرائيل، وما نخشاه أن تجند اسرائيل عربا أو أكرادا لهذه الغاية تحت مسمى "القاعدة" التي لم توجد موبقة الا والصقت بها.. فـ"القاعدة" التي سافرت آلاف الاميال لضرب برجي التجارة العالمي، وكانت في بياناتها تدعو لتحرير المسلمين من جيوش الصليبيين، لم يعد لها هم سوى تحرير امرأتين قبطيتين من حبس كنسي.. هذه ليست "قاعدة"، و"القاعدة" بريئة من دم المسيحيين براءة الذئب من دم يوسف.. وان كانت "قاعدة" فالذراع الخفية التي تحرك وتوصل حتما الى اتجاهين لا ثالث لهما.. الى الموساد والـ "سي آي ايه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق