2012-04-27

عائلتان مسلمتان تقومان بحمل مفاتيح كنيسة القيامة

              alt
مجموعة العراق للاعلام IQGM - تتجسد أبلغ معاني الوحدة الوطنية على أرض القدس في كنيسة القيامة، التي بنتها الملكة هيلانة والدة الملك قسطنطين عام 330 ميلادية، وتضم عددا كبيرا من المقدسات المسيحية، مثل القبر المقدس، والمغارة التي عثرت فيها الملكة هيلانة على صليب المسيح، فمنذ أن فتح صلاح الدين الأيوبي القدس عام 1187م ومفاتيح تلك الكنيسة تحملها عائلة مسلمة هي عائلة جودة، في حين يقوم على مهمة فتح باب الكنيسة بشكل يومي عائلة مسلمة أخرى هي عائلة نسيبة.
فصباح غد السبت، الذي يعرف باسم "سبت النور" سينطلق موكب مكون من الحاج وجيه نسيبة (كبير عائلة نسيبة)، والحاج أديب جودة (كبير عائلة جودة) وبطريرك القدس، لفتح الكنيسة أمام زوارها في مشهد تكرر آلاف المرات ولم يفلح الاحتلال الإسرائيلي في وقفه.
ويقول أديب جودة لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط برام الله"عندما حرر السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله القدس خشي أن يعود الصليبيون متنكرين في زي الرهبان ويدخلون كنيسة القيامة، وكان للكنيسة بابان، فقرر صلاح الدين غلق أحد البابين، وهو مغلق منذ ذلك الوقت، وأبقى على الآخر مفتوحا، وهو المستخدم حاليا في الدخول والخروج من الكنيسة".
وأضاف جودة وهو يحمل في يده المفتاح الحديدي لكنيسة القيامة الذي سلمه صلاح الدين الأيوبي لعائلته "كان أجدادي من عائلة جودة في ذلك الوقت هم شيوخ المسجد الأقصى وقبة الصخرة، فوجد أن أفضل طريقة لحماية القدس من الصليبين هي أن يعطي مفاتيح القدس للعائلة المؤتمنة على القدس وهي عائلتنا"، وأشار إلى أن عائلة جودة تتولى مهمة أمانة مفتاح كنيسة القيامة، ومهمة فتح وغلق الكنيسة والتي تتولاها عائلة نسيبة" موضحا أنه قديما كان يذهب راهب لعائلة نسيبة ويأخذ الشخص المسئول عن فتح الباب ويأتيان إلى منزل عائلة جودة في البلدة القديمة، ويذهب الثلاثة لفتح الكنيسة، وهذا كان يتم بشكل يومي، إلا أن، ونظرا لوجود الاحتلال، وكثرة الاغلاقات التي يفرضها في البلدة القديمة، قررنا أن تكون هناك غرفة خارج الكنيسة يوضع فيها المفتاح ومعه حارس مسلم حتى يمكن فتح الكنيسة كل يوم في الرابعة فجرا، وغلقها في الثامنة والنصف مساء".
وقال الحاج أديب جودة كبير عائلة جودة إن موكب "سبت النور" يبدأ في الثامنة صباحا ويضم معه ممثل عائلة نسيبة وراهب من الكنيسة، ويسير أمامهم (القواسة) وهم خدمة الكنيسة يمسكون عصى خشبية بأيديهم يدقون بها على الأرض لإفساح الطريق للموكب، حتى نصل باب الكنيسة، فيضع ممثل عائلة نسيبة سلماً يصعد عليه لفتح القفل الأعلى للباب، ثم يهبط لفتح القفل الأسفل، ثم يدخل الموكب إلى الغرفة التي تحوى القبر المقدس، للتأكد من خلوها من المواد المشتعلة، ثم يخرج الموكب ويقوم بتشميع باب الغرفة، ويختم الشمع بختم عائلتي جودة ونسيبة".
وأوضح أنه بعد ختم باب القبر يصعد الموكب إلى بطريرك الروم الأرثوذكس في الدير، ويهبط به إلى القبر، فيفتح الباب ويدخل البطريرك بمفرده إلى داخل القبر، ويقيم صلوات خاصة لنحو ساعة، يخرج بعدها شعلة النور من القبر، لذلك سمي سبت النور".
وأوضح أنه في ذلك اليوم تحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي التضييق على الحجاج المسيحيين فتنشر عددا كبيرا من الجنود داخل الكنيسة بحجة التنظيم، وتسمح لعـدد محدود بالتواجد داخل الكنيسة، بدعوى عدم التزاحم، مشيرا إلى أنه في هذا اليوم يحضر مراسم ختم القبر المقدس عـدد كبير من الدبلوماسيين، والضيوف الأجانب إلى جانب آلاف الحجاج المسيحيين من كل أنحاء العالم.
وأشار أديب جودة إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية حاولت فتح باب آخر للكنيسة، بزعم تسهيل الدخول والخروج، فرفض الرهبان وتدخل العاهل الأردني الراحل الملك حسين لوقف هذا الأمر، لأن إسرائيل كانت تريد بابا للكنيسة تحتفظ هي بمفاتيحه".
وعن شعوره كمسلم يتولى أمانة حمل مفتاح كنيسة القيامة "هذا شرف لكل المسلمين في العالم، ورثته من أجدادي وحافظنا عليه طوال مئات السنوات، وندعو الله أن نستمر في الحفاظ عليه نحن وأولادنا".
أما الحاج وجيه نسيبة كبير العائلة التي تتولى فتح وغلق باب كنيسة القيامة، فيقول لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط برام الله وهو يجلس على مصطبة مخصصة له على يسار باب الكنيسة "تسلمتْ عائلتي مفتاح الكنيسة من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما فتح القدس عام 638م، وظل معنا حتى دخل الصليبيون القدس وبدئوا في قتل المسلمين والمسيحيين الشرقيين فهاجرنا إلى بلدة بورين في نابلس، وعندما فتح صلاح الدين الأيوبي سلم المفتاح لعائلة جودة، وعندما عادت عائلتي تولت مهمة فتح وغلق الباب".
ويضيف نسيبة "أتولى هذه المهمة منذ 30 عاما بشكل يومي، افتح الباب في الصباح وأجلس على المصطبة المخصصة لي طوال اليوم حتى موعد غلق الكنيسة في الثامنة والنصف مساء، ولا أجد أي غضاضة في ذلك".
ويقول نسيبة "نحن حريصون على حراسة الكنيسة والحفاظ عليها، ونعتز بذلك فتاريخ العرب والمسلمين مليء بصور الإخاء واحترام الديانات، وهو ما يجعل المسلمين يحتفظون بمفتاح الكنيسة وتولي أمانته".
وأوضح أن عائلتي نسيبة وجودة كانتا تنتفعان ماديا من مهمة حمل مفاتيح الكنيسة وبوابتها عن طريق رسوم الزيارة التي فرضها قانون استنه السلطان العثماني سليمان القانوني، إلى أن أمر الوالي إبراهيم باشا بن محمد علي بإلغاء هذه الرسوم في عام 1832م، بعد خضوع القدس للحكم المصري.
وتُعـد كنيسة القيامة من أهم وأقدم المزارات المسيحية في القدس، وأكثرها قداسة على الإطلاق، وللكنيسة ساحة كبيرة من الجهة الجنوبية تقود إلى المدخل، وتنتشر شرقها وغربها أديرة وكنائس صغيرة للطوائف المسيحية المختلفة.
وأقيمت الكنيسة على تل قرب باب الخليل بالبلدة القديمة، وكان يُعرَف بتل الجلجثة أو القضاء باللغة الآرامية، وهو الموقع الذي شهد واقعة صلب السيد المسيح ودفنه، حسب الديانة المسيحية، وقام الرومان واليهود بردم القبر لإخفاء معالم المكان، إلى أن الإمبراطور البيزنطي قسطنطين أعلن في عام 326م المسيحية ديانة رسمية لدولته، فتوجهت والدته القديسة هيلانة إلى القدس، لتبحث عن مكان صلب المسيح ودفنه، حتى عثرت عليه، وأقامت فوق القبر كنيسة القيامة في عام 330 م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق