فاضل البراك |
وعندما حدثت حركة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 وأقصت حزب البعث عن
السلطة، كان فاضل البراك في الصف المنتهي بالكلية العسكرية وعلى أبواب
التخرج منها برتبة (ملازم ثان) غير أن الرئيس عبدالسلام عارف اصدر قراراً
منع بموجبه المتخرجين البعثيين من العمل في الجيش، فنسب الى مديرية الإعاشة
العامة مع زميله ورفيقه عبدالرحمن الدوري، وأسندت إليهما وظيفة مراقب
مخابز .
وفي أعقاب انقلاب 17 تموز (يوليو) 1968 أعيد الى الخدمة العسكرية ومنح
رتبة (نقيب) وانتدب للعمل في القصر الجمهوري كمرافق للرئيس الأسبق احمد حسن
البكر.. استمر في وظيفته هذه عاماً وبضعة شهور عندما أمر البكر بطرده
نتيجة تلاسنه مع زوجة الرئيس (أم هيثم) خلال اتصال هاتفي .
ويبدو أن صدام استحسن موقف البراك وجرأته في مواجهة زوجة الرئيس، وأحس
بحاجته الى مثل هذا الضابط ليكون من ضمن الحلقات المرتبطة به، فسعى الى
نقله الى قوات الحرس الجمهوري وعينه آمرا لقوة حماية الإذاعة في منطقة
الصالحية وسط بغداد، وشاع في تلك الفترة ان الرئيس البكر امتعض من تنسيب
البراك وهو الذي أمر بإبعاده عن الجيش واعادته الى وظيفته السابقة كمراقب
مخابز في دائرة الإعاشة العامة، غير ان صدام لم يجرؤ على التدخل في ذلك
الوقت بل ذهب الى نائب البكر وقتئذ الفريق حردان التكريتي واقنعه بتهدئة
البكر واستحصال موافقته على بقاء البراك في الإذاعة.
ضربة الحظ
وهنا تدخل الحظ في بروز اسم البراك من جديد عندما قام ضابط متقاعد هو محمد رشيد الجنابي مع اللواء عبدالغني الراوي والعقيد محمد بكر والعقيد سليمان الدركزلي لقيادة انقلاب على سلطة البعث بمفاتحة البراك للانضمام إليهم باعتباره من الضباط المناوئين للبكر وقبل ان يعطي البراك موافقته ذهب الى صدام وابلغه بما جرى معه، فطلب منه صدام ان يساير المجموعة ويخترقها ،وهنا ظهرت مواهب البراك الامنية، فقد تمكن من خداع المجموعة وكشف جميع عناصرها، وهو الذي حدد ساعة الصفر للانقلاب وقاد كبار المشاركين في الانقلاب المزعوم الى القصر الجمهوري لتسلم مواقعهم حيث كان البكر وصدام في استقبالهم والاعتداء عليهم واعتقالهم ومن ثم اعدامهم .
وهنا تدخل الحظ في بروز اسم البراك من جديد عندما قام ضابط متقاعد هو محمد رشيد الجنابي مع اللواء عبدالغني الراوي والعقيد محمد بكر والعقيد سليمان الدركزلي لقيادة انقلاب على سلطة البعث بمفاتحة البراك للانضمام إليهم باعتباره من الضباط المناوئين للبكر وقبل ان يعطي البراك موافقته ذهب الى صدام وابلغه بما جرى معه، فطلب منه صدام ان يساير المجموعة ويخترقها ،وهنا ظهرت مواهب البراك الامنية، فقد تمكن من خداع المجموعة وكشف جميع عناصرها، وهو الذي حدد ساعة الصفر للانقلاب وقاد كبار المشاركين في الانقلاب المزعوم الى القصر الجمهوري لتسلم مواقعهم حيث كان البكر وصدام في استقبالهم والاعتداء عليهم واعتقالهم ومن ثم اعدامهم .
وتقديراً للدور الذي لعبه فاضل البراك في كشف (المؤامرة) التي ذكر ان
شاه ايران السابق كان يقف وراءها، تم ترفيعه الى رتبة (عقيد) ونقله الى
موسكو ملحقاً عسكرياً في السفارة العراقية هناك، ومسؤولاً عن تنظيمات حزب
البعث في الاتحاد السوفياتي.
وخلال وجوده في موسكو، حصل على شهادة الدكتوراه في تاريخ العراق الحديث،
وكانت اطروحته عن الجيش العراقي ودوره في حركة رشيد عالي الكيلاني ضد
الإنجليز عام 1940 ويقال ان البراك استعان بمترجم سوداني يعمل مستخدماً في
السفارة العراقية وقام بترجمة اطروحته الى الروسية، فيما تكفل اثنان من
الأساتذة الروس بإعدادها والإشراف عليها لقاء مكافآت مجزية.
تحطيم حزبي الشيوعي والدعوة
في نهاية عام 1976 أعيد البراك الى بغداد وعين مديراً عاماً للأمن الداخلي، وعضواً في المكتب العسكري لحزب البعث، وخلال وجوده على رأس هذه الدائرة، عمل البراك على تنظيمها وفق المواصفات الامنية السوفياتية، مهتماً بضباط أمن وجد فيهم إمكانيات متميزة في مكافحة أحزاب وشخصيات المعارضة السياسية، وكانت المهمة الأولى التي أوكلت للبراك في وظيفته الجديدة هي تفكيك الحزب الشيوعي العراقي الشريك مع حزب البعث في الجبهة الوطنية التقدمية والمشاركة في الحكومة البعثية بوزيرين هما عامر عبدالله ومكرم الطالباني.
في نهاية عام 1976 أعيد البراك الى بغداد وعين مديراً عاماً للأمن الداخلي، وعضواً في المكتب العسكري لحزب البعث، وخلال وجوده على رأس هذه الدائرة، عمل البراك على تنظيمها وفق المواصفات الامنية السوفياتية، مهتماً بضباط أمن وجد فيهم إمكانيات متميزة في مكافحة أحزاب وشخصيات المعارضة السياسية، وكانت المهمة الأولى التي أوكلت للبراك في وظيفته الجديدة هي تفكيك الحزب الشيوعي العراقي الشريك مع حزب البعث في الجبهة الوطنية التقدمية والمشاركة في الحكومة البعثية بوزيرين هما عامر عبدالله ومكرم الطالباني.
وخلال عام واحد نجح البراك في كشف اغلب الخلايا الشيوعية واختراق قيادات
عليا في الحزب، وعندما حانت ساعة التخلص من الحزب الشيوعي كانت أجهزة
البراك مستعدة وجاهزة لتنفيذ خطتها التي تضمنت السماح لقياديي وكوادر الحزب
بالتوجه الى خارج العراق، وعزل القادة الشيوعية عن قمتها، الأمر الذي سهل
ضرب الحزب والإجهاز عليه.
وبعد ان انتهى المجرم البراك من تصفية الحزب الشيوعي العراقي، صفى
وبشراسة المفكر الإسلامي الشيعي البارز آية الله محمد باقر الصدر، ثم حزب
الدعوة في حملة ضارية لم يفرق خلالها بين الأعضاء في الحزب وبين المتعاطفين
معه.
نفوذ برزان
وخلال عام واحد تمكن البراك من تصفية نفوذ برزان التكريتي في المخابرات ونقل ابرز مساعديه الى خارجها، وفرض تعليماته وأوامره على هذا الجهاز الخطير، ولكنه لم يخطر بباله، ان هذه الأعمال التي يقوم بها والنجاحات التي يحرزها كانت تثير لدى صدام حسين شعوراً بالتوجس منه، خصوصاً عندما حشر البراك نفسه في قضايا كشف انحرافات واختلاسات عدد من أقارب صدام وابناء عمومته الذين طغوا بشكل سافر في الثمانينيات، الأمر الذي اغضب الرئيس صدام واعتبر تدخله في موضوع ليس من اختصاصه مسألة تستهدف الاستئثار وبسط النفوذ الشخصي.
وخلال عام واحد تمكن البراك من تصفية نفوذ برزان التكريتي في المخابرات ونقل ابرز مساعديه الى خارجها، وفرض تعليماته وأوامره على هذا الجهاز الخطير، ولكنه لم يخطر بباله، ان هذه الأعمال التي يقوم بها والنجاحات التي يحرزها كانت تثير لدى صدام حسين شعوراً بالتوجس منه، خصوصاً عندما حشر البراك نفسه في قضايا كشف انحرافات واختلاسات عدد من أقارب صدام وابناء عمومته الذين طغوا بشكل سافر في الثمانينيات، الأمر الذي اغضب الرئيس صدام واعتبر تدخله في موضوع ليس من اختصاصه مسألة تستهدف الاستئثار وبسط النفوذ الشخصي.
خطأ الشاطر
وارتكب المجرم البراك في تلك الفترة خطأ قاتلاً، عندما استدعى سكرتير صدام الصحفي الدكتور محسن خليل الذي طرد من وظيفته بأمر من صدام واهتم به وخصص له سيارة حديثة وراتباً شهرياً دون إشعار او استئذان من الرئاسة، خاصة أن خليل ذهب الى القصر الجمهوري وابلغ المسؤولين فيه بما جرى له مع رئيس المخابرات، وكانت النتيجة ان صدام اصدر أمرا بعزل البراك من رئاسة المخابرات وتعيينه مستشاراً واعاد الاعتبار لسكرتيره الصحفي السابق، وتعيينه مديرا عاما لمركز البحوث والدراسات التابع للقصر الجمهوري.
وارتكب المجرم البراك في تلك الفترة خطأ قاتلاً، عندما استدعى سكرتير صدام الصحفي الدكتور محسن خليل الذي طرد من وظيفته بأمر من صدام واهتم به وخصص له سيارة حديثة وراتباً شهرياً دون إشعار او استئذان من الرئاسة، خاصة أن خليل ذهب الى القصر الجمهوري وابلغ المسؤولين فيه بما جرى له مع رئيس المخابرات، وكانت النتيجة ان صدام اصدر أمرا بعزل البراك من رئاسة المخابرات وتعيينه مستشاراً واعاد الاعتبار لسكرتيره الصحفي السابق، وتعيينه مديرا عاما لمركز البحوث والدراسات التابع للقصر الجمهوري.
وحتى يضمن استمرار ولاء البراك له في ذلك الوقت، أوفده الى المغرب في
مطلع عام 1989 حاملاً رسالة منه الى الملك الحسن الثاني، وفي الرباط أمضى
عدة أيام بعد إكمال مهمته للراحة والاستجمام وخلال إجازته هناك، زاره صديق
قديم غادر بغداد منذ سنوات طويلة وانهمك في أعمال ومقاولات خارج العراق،
أمضى معه عدة أيام ونصحه الصديق ان يجد وسيلة او ذريعة لمغادرة العراق، لأن
معلوماته تشير الى انه سيواجه مشاكل ومتاعب ومضايقات كثيرة خلال المرحلة
المقبلة، وفوجئ الصديق بان البراك يقول له انه يعرف ذلك، ويعرف ان إقالته
من رئاسة المخابرات مقدمة لتصفيته ولكنه لا خيار أمامه غير البقاء في بغداد
وانتظار الآتي من الأيام، ومما قاله البراك انه رجل مطلوب، وفي رقبته دماء
كثيرة.
اعتكاف
ولأنه يدرك أيضا ان عيون صدام تراقبه فقد اعتكف بمنزله مبتعداً عن أصدقائه ورفاقه السابقين، وكان يمضي اغلب أوقاته في مزرعة تعود له في ضواحي العاصمة، وانقطع متعمداً عن الناس والمجتمع تماماً.
ولأنه يدرك أيضا ان عيون صدام تراقبه فقد اعتكف بمنزله مبتعداً عن أصدقائه ورفاقه السابقين، وكان يمضي اغلب أوقاته في مزرعة تعود له في ضواحي العاصمة، وانقطع متعمداً عن الناس والمجتمع تماماً.
ويبدو ان صدام مع استحسانه لهذا الوضع الذي بات عليه البراك، إلا انه
استدعاه عقب غزو الكويت في آب (أغسطس) 1990، ووبخه على العزلة والسلبية
اللتين فرضهما على نفسه، وعندما أجابه البراك انه بلا عمل، قال له صدام
أمامك مهمة جديدة فقد اخترتك رئيساً للجنة تتولى استقصاء ردود فعل الشارع
العراقي على السياسات الرسمية والإجراءات الحكومية وخصوصاً بالنسبة إلى
موضوع الكويت.
ونسب صدام الى عضوية اللجنة كلاً من مستشاره السابق اللواء صادق شعبان
(لاجئ حالياً في السويد) والسفير المتقاعد عبدالجبار الهداوي (توفي ببغداد
منتصف التسعينيات).
وعندما بدأت حرب عاصفة الصحراء في مطلع عام 1991 حاول فاضل البراك
الانتقال من بغداد الى مكان آخر خارجها، وذهب الى صديق كردي يعمل بالتجارة
والمقاولات ومتعاون مع السلطات الحكومية، ليسهل له السفر الى شمالي العراق
مؤقتاً ريثما تنتهي الحرب، غير أن صديقه الكردي خشي من مساعدته واعتذر عن
تلبية رغبته، وهناك اعتقاد لدى أسرة البراك بان هذا الصديق هو الذي ابلغ
السلطات الحكومية بنوايا البراك بمغادرة بغداد الى خارجها، الأمر الذي دعا
صدام الى استدعائه في صيف عام 1991 وتعنيفه.
ونقلا عن أحد أصهاره، فان البراك خرج من تلك المقابلة وهو في اشد حالات
اليأس والقنوط، وابلغ أسرته بان مصيره بات مهدداً في أي ساعة، وقام بترتيب
شؤون زوجته وأولاده وتسجيل ممتلكاته باسمهم، اعتقاداً منه بانهم سيكونون في
مأمن من العقوبات في حال تعرضه الى الطوارئ.
السجن والإعدام:
السجن والإعدام:
وفي نهاية ايلول (سبتمبر) 1991 القي القبض على البراك واقتيد الى مبنى
حاكمية المخابرات بشارع 52 الذي كان هو الذي بناه واشرف على العمل فيه،
وخضع للتحقيق ووجهت إليه تهمتان الأولى سياسية أمنية باعتباره جاسوساً
لألمانيا الشرقية والاتحاد السوفياتي، والتهمة الثانية إثراؤه غير المشروع
والحصول على عمولات من تجار ورجال أعمال كان جهاز المخابرات قد أرسى عليهم
مقاولات ومناقصات وبيع مشاريع صناعية في عهده.
واعتقل معه كل من عديله المهندس المقاول زهير الدوري ورجل الأعمال وصاحب
مصانع الألبان الشهير يونس السماوي، والفنان المسرحي عبدالقادر الدليمي،
والاخير كان يرافق البراك خلال زيارته الى المانيا ويقوم بمهمة الترجمة له
حيث كان يعمل مستخدماً في السفارة العراقية في برلين.
وامضى البراك عامين رهن الاعتقال، مورست عليه أشكال من التعذيب البدني
والنفسي، وقد حرص صدام على أن يكون المشرف على تعذيبه مجند في المخابرات
عمل خادماً للبراك عندما كان رئيساً للجهاز، وقد أصيب بالشلل في نهاية فترة
الاعتقال ومع ذلك تم تنفيذ حكم الإعدام به في نهاية عام 1993، وسلمت جثته
الى أسرته مع تعليمات بدفنه سراً وعدم إقامة مجلس عزاء أو فاتحة على روحه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق